الحمد لله.
أولاً :
لا يجوز للحائض والنفساء أن تبقى في المسجد .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/243)
"لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُول الْمَسْجِدِ ، وَالْمُكْثُ فِيهِ وَلَوْ بِوُضُوءٍ" انتهى .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (60213) و (33649) .
ثانيا:
أما خبر ولادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكعبة :
فقد قال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" (5/206) : " تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة " انتهى .
فتعقبه ابن الملقن رحمه الله فقال :
"حَكِيم بن حزام رضي الله عنه ولد فِي جَوف الْكَعْبَة ، وَلَا يعرف أحد ولد فِيهَا غَيره ، وَأما مَا رُوِيَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ أَنه ولد فِيهَا فضعيف ، وَخَالف الْحَاكِم فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْمُسْتَدْرك فِي تَرْجَمَة عَلّي أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك" انتهى .
"البدر المنير" (6/489) .
وقد سئل د. الشريف حاتم بن عارف العوني (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) :
هل صحيح أن سيدنا علياً رضي الله عنه وُلِد داخل الكعبة ؟ وإذا كان الجواب نعم فهل في هذا ميزة له رضي الله عنه ؟
فأجاب :
" لم يرد حديثٌ صحيحٌ بذلك ، ولم يرد بذلك شيءٌ في المصادر الموثوقة من مصادر السنة ؛ إلا ما جاء في كلامٍ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري ، وما ورد في مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لابن المغازلي .
أما الحاكم فأورد ما جاء عن بعض نسّابي قريشٍ ، من أن حكيم بن حِزام رضي الله عنه وُلد في جوف الكعبة ، فلم يُنكر ذلك ، لكنه لما أورد قول مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن حكيم : " وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى ، وكانت ولدت حكيمًا في الكعبة ، وهي حامل ، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة ، فولدت فيها ، فحُمِلت في نِطْعٍ ، وغُسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم .
قال مصعب : ولم يُولد قبلَه ، ولا بعده ، في الكعبة أحدٌ" .
فتعقّبه الحاكم قائلًا : " وَهِمَ مصعبٌ في الحرف الأخير ، فقد تواترت الأخبار : أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ".
وأما ما جاء عند ابن المغازلي ، فإنه أسند خبرًا فيه قصة مولد علي (رضي الله عنه) في جوف الكعبة (مناقب علي رقم 3) ؛ لكن إسناده شديد الضعف ، لتتابع المجهولين في إسناده ، مع نكارة القصة التي تفرّدوا بها . وهذا أحد أكبر عيوب كتاب ابن المغازلي في المناقب ، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن كتابه هذا: "قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذبٌ على من له أدنى معرفةٍ بالحديث". كما في منهاج السنة النبوية (7/15).
فأما قول الحاكم : " فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة "، فـ(المتواتر) عند الحاكم ليس هو المتواتر عند الأصوليين ، والذي يعنون به الخبر الذي يفيد العلم اليقيني الضروري لكثرة المخبرين به . كما نبّه على ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح (453) ، والعراقي في التقييد والإيضاح (1/776) .
فلا يتجاوز كلام الحاكم أن يكون إخبارًا عن أن هذا الأمر في زمنه كان من الأمور المشهورة بين الناس ، ولا يدل على أكثر من ذلك ؛ لما بيّنّاه من أن المتواتر عنده ليس هو المتواتر عند الأصوليين .
وإذا تبيّنَ ذلك : فإن مجرّد الشهرة في زمن الحاكم المتوفَّى سنة (405هـ) ، لا تُغني شيئًا ؛ خاصةً إذا خالفت مقالةً لمن هو أقرب زمنًا منه من زمن الحادثة التي اشتهرت في زمنه ، وهو مصعب الزبيري المتوفَّى سنة (236هـ) ، وهو علّامةٌ في نسب قريشٍ وأخبارها ، حيث نفى أن يكون أحدٌ قد وُلد في جوف الكعبة غير حكيم بن حزامٍ كما سبق .
أما سبب شهرة هذا الأمر في زمن الحاكم : فهو لأنه مما تدّعيه الشيعةُ لعلي رضي الله عنه ، وهو عندهم يكاد يكون من المسلّمات ، دون أن يكون لديهم برهانٌ صحيحٌ عليه . حتى قال شاعرهم (وهو السيد الحميري ، كما في ديوانه 64:) عن فاطمة بنت أسد أمِّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) :
ولدتْهُ في حرم الإله وأمنـِه والبيتِ حيثُ فناؤه والمسجدُ
بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ طابت وطاب وليدُها والمولدُ
وتناقلت ذلك المصادرُ الشيعيةُ ، كأمالي الشيخ الصدوق وأمالي الطوسي وغيرها .
وفي الإمام الحاكم تشيّعٌ يسير ، نص عليه أهل العلم . فلعل مصدره هو شهرة هذا الخبر في زمنه بين عموم الناس ، والناس أخذوها من الشيعة ومن مثل هذه الأخبار غير المعتمدة "
انتهى .
http://www.alalbayt.com/index.php?option=com_content&task=view&id=3449&Itemid=87%20-%2035k
فتبين بذلك أن خبر ولادة علي رضي الله عنه بالكعبة لا يصح .
وعلى فرض صحة ثبوت ذلك ، فلا يستفاد منه حكم شرعي ، لأن ولادته رضي الله عنه كانت قبل النبوة ، يعني في الجاهلية ، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/564) :
" ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح " انتهى .
ونحن مخاطبون بشريعة الإسلام ، فلا حجة فيما كان قبل البعثة .
وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).
قال السعدي رحمه الله :
"(أَذِنَ) أي : أمر ووحي
(أَنْ تُرْفَعَ) يدخل في رفعها : بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى ، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يحترزون عند النجاسة ، وعن الكافر وأن تصان من اللغو ورفع الأصوات فيها" انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 663 ) .
فيجب تنزيه المساجد عن كشف العورات والدم الحاصل بسبب الولادة .
وعلى فرض ، أن امرأة أخذها الطلق وهي في المسجد ولم نستطع نقلها إلى مكان آخر ، فهذه حالة ضرورة لا يستفاد منها جواز هذا العمل .
والله أعلم