حكم الإجهاض للمغتصبة بعد نفخ الروح في الجنين

10-04-2009

السؤال 129085

هذا سؤال شخصي يتعلق بخطيبتي التي تعرضت لجريمة الاغتصاب منذ سبع سنين عندما كانت في سن الثامنة عشرة ولم تدرك أنها حامل إلا بعد مرور أربعة أشهر ونصف فقامت بإجهاض الجنين خوفاً على سمعتها وسمعة الأسرة ، إذ إنها كانت ستعيش منبوذة طوال العمر هي وأسرتها بالإضافة إلى أنها لم تكن تعرف الحكم الشرعي لإجهاض الجنين المتكون الذي نفخت فيه الروح في ذلك الوقت . وقد سمعت فتوى من أحد العلماء المصريين تقول بأن ضحايا الاغتصاب لا عليهن أن يجهضن أجنتهنّ ، فهل هذا صحيح؟ وما الواجب عليها الآن ، هل عليها من كفارة ، وإذا كان كذلك فما نوع الكفارة ، أرجو التفصيل ؟ وهل يعد فعلها ذلك قتلاً للنفس التي حرم الله وماذا يلزمها للتوبة ؟

الجواب

الحمد لله.

أجمع الفقهاء على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح فيه - أي بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ بداية الحمل - فلا يجوز قتله بحال ، إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم .

قال ابن جزي رحمه الله :

" وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له , وأشد من ذلك : إذا تخلق ، وأشد من ذلك : إذا نفخ فيه الروح ، فإنه قتل نفس إجماعاً " انتهى .

"القوانين الفقهية" (2/70) .

وجاء في "حاشية الدسوقي" (2/266-267) :

"لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ ، وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إجْمَاعًا " انتهى .

وقال في "نهاية المحتاج" (8/442) بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين ، قال :

" وقد يقال: أَمَّا حَالَةُ نَفْخِ الرُّوحِ فَمَا بَعْدَهُ إلَى الْوَضْعِ فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ , وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ مُحْتَمِلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ , وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ . نَعَمْ ، لَوْ كَانَتْ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ ، فَلَوْ تُرِكَتْ حَتَّى نُفِخَ فِيهَا فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ" انتهى .

فعلى من فعلت ذلك أن تتوب إلى الله تعالى ، وتندم على ما فعلت ، وتعزم على عدم العودة لذلك ، وتكثر من الأعمال الصالحة لعل الله تعالى يتوب عليها .

ويجب عليها الدية والكفارة ، ودية الجنين : خمس من الإبل تكون لورثته ، ولا تأخذ منها الأم شيئاً ، فإن تنازل الورثة عنها بنفس راضية فلا حرج في ذلك .

قال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا شربت الحامل دواء , فألقت به جنينا , فعليها غرة , لا ترث منها شيئا , وتعتق رقبة ، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه , إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة , وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها , فلزمها ضمانه بالغرة , كما لو جنى عليه غيرها , ولا ترث من الغرة شيئا ; لأن القاتل لا يرث المقتول , وتكون الغرة لسائر ورثته , وعليها عتق رقبة " انتهى من "المغني" (8/327).

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عن امرأة تعمدت إسقاط الجنين ، وقد بلغ أربعة أشهر ، فماذا تفعل وما هي كفارتها؟

فأجابوا :

"يجب على المرأة التي تعمدت قتل الجنين التوبة إلى الله عز وجل والاستغفار ، عسى الله أن يغفر لها ، وعليها الدية وهي : غرة : عبد أو أمة ، قيمتها عشر دية الأم : (خمس من الإبل) وقيمتها بالدية الحالية : خمسة آلاف ريال" انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/255) .

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (21/316) :

"إذا كان إسقاط الجنين المذكور بعد تمام أربعة أشهر وجب في إسقاطه غرة عبد أو أمة ، والكفارة وهي : عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم تستطع فإنها تصوم شهرين متتابعين ، وتستغفر الله وتتوب إليه من هذا الذنب" انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/316).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : من شربت دواءً عمداً لإسقاط جنين فسقط لثلاثة أشهر فماذا عليها ؟

فأجاب : "ليس عليها دية ولا كفارة ، لأنه لم تنفخ فيه الروح . أما إن أتمَّ أربعة أشهر ، ففعلته عمداً ، فعليها الدية : غرة ، والكفارة : صيام شهرين متتابعين . والغرة : عبد أو أمة ، قيمة كل منهما خمس من الإبل . ومن لم يستطع الصيام ، فالصحيح أن ليس عليه إطعام لأن الله لم يذكره في الآية" انتهى .

"ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" ( ص 126) مسألة ( 533 ) .

وأما الفتوى بأن ضحايا الاغتصاب لا عليهن أن يجهضن أجنتهنّ ، فإن كان ذلك قبل نفخ الروح فهو جائز ، أما بعد نفخ الروح فالقول بجوازه مخالف لإطباق أهل العلم على تحريم ذلك كما تقدم ؛ ولأنه من قبيل قتل النفس المعصومة ، والضرر الحاصل على المرأة بسبب ذلك أهون من الإقدام على قتل مؤمن بغير حق ، الذي هو كبيرة من أكبر الكبائر .

والله أعلم

الجنايات
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب