أريد أن أسأل عن الذي يزيد شيئا في صلاته سهوا وفي نفس الصلاة ينسى شيئا ، فهل يسجد سجدتين قبل التحية وبعد التحية أم ماذا؟
الحمد لله.
في محل سجود السهو ، هل هو قبل السلام أو بعده ، خلاف بين أهل العلم ، والأظهر من أقوالهم : أن الزيادة في الصلاة سهوا تقتضي السجود بعد السلام ، والنقص يقتضي السجود قبل السلام ، وأما عند الشك ففيه تفصيل : فإذا ترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد بعد السلام ، وإن لم يترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد قبل السلام .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12527) .
وإذا اجتمع سببان ، أحدهما يقتضي أن يكون السجود قبل السلام ، كنسيان التشهد الأول ، والثاني يقتضي أن يكون السجود بعد السلام ، كزيادة سجود أو ركعة سهوا ، فإنه يكفيه سجود واحد للسهو ، والأظهر أنه قبل السلام ، لا سيما إن كان إماما ، تسهيلا على المصلين ومنعا من الاضطراب الذي يحصل للمسبوق منهم إذا قام بعد السلام مباشرة .
قال ابن قدامة رحمه الله : "إذا سها سهوين , أو أكثر من جنس , كفاه سجدتان للجميع ، لا نعلم أحدا خالف فيه . وإن كان السهو من جنسين , فكذلك . حكاه ابن المنذر قولا لأحمد , وهو قول أكثر أهل العلم منهم النخعي , والثوري , ومالك والليث , والشافعي وأصحاب الرأي ... لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا نسي أحدكم , فليسجد سجدتين) وهذا يتناول السهو في موضعين ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسلم , وتكلم بعد صلاته فسجد لهما سجودا واحدا .
ولأن السجود أُخِّرَ إلى آخر الصلاة , ليجمع السهو كله وإلا فَعَلَه عقيب سببه .
ولأنه شرع للجبر فجبر نقص الصلاة , وإن كثر , بدليل السهو مرات من جنس واحد , وإذا انجبرت لم يحتج إلى جابر آخر ...
إذا ثبت هذا فإن معنى الجنسين أن يكون أحدهما . قبل السلام , والآخر بعده ; لأن محليهما مختلفان , وكذلك سبباهما وأحكامهما ...
فعلى هذا إذا اجتمعا , سجد لهما قبل السلام ; لأنه أسبق وآكد , ولأن الذي قبل السلام قد وجب لوجوب سببه , ولم يوجد قبله ما يمنع وجوبه , ولا يقوم مقامه , فلزمه الإتيان به , كما لو لم يكن عليه سهو آخر , وإذا سجد له , سقط الثاني ; لإغناء الأول عنه , وقيامه مقامه " انتهى من "المغني" (1/387) باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "إذا اجتمع سببان ، أحدهما : يقتضي أن يكون السجود قبل السلام ، والثاني : يقتضي أن يكون السجود بعد السلام .
فقيل : يعتبر ما هو أكثر ، مثل لو سلم قبل تمام صلاته وركع في إحدى الركعات ركوعين ، وترك التشهد الأول ، فهنا عندنا سببان يقتضيان أن يكون السجود بعد السلام ، وهما زيادة الركوع والسلام قبل التمام ، وعندنا سبب واحد يقتضي السجود قبل السلام ، وهو ترك التشهد الأول ، فيكون السجود بعد السلام .
مثال آخر : رجل ركع في ركعة ركوعين ، وترك قول : (سبحان ربي العظيم) في الركوع ، وقول : (سبحان ربي الأعلى) في السجود ، فهنا اجتمع سببان للسجود قبل السلام ، وهما ترك التسبيح في الركوع وفي السجود ، وسبب واحد يقتضي أن يكون السجود بعد السلام ، وهو زيادة الركوع ، فالسجود قبل السلام .
والمذهب يغلّب ما قبل السلام مطلقا ؛ لأن ما قبل السلام جابره واجب ، ومحله قبل أن يسلّم ، فكانت المبادرة بجبر الصلاة قبل إتمامها أولى من تأخير الجابر" انتهى من "الشرح الممتع" (3/398) .
وسئل رحمه الله : إذا اجتمع في الصلاة أكثر من سهو ، وسبب أحدهما قبل السلام والآخر بعد السلام ، فأين موضع السجود والحال هذه؟
فأجاب :
"هذه المسألة تنبني على أن نعرف ما هو السجود -أي: سجود السهو- الذي يكون بعد السلام ؟ كل ما كان سببه الزيادة ، مثل: أن يسجد ثلاث مرات ، أو يقوم إلى خامسة ثم يذكر فيرجع ، هذا يكون بعد السلام ، ويكون قبل السلام إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة ، مثل: أن يقوم عن التشهد الأول ، أو ينسى أن يقول : سبحان ربي الأعلى في السجود ، أو سبحان ربي العظيم في الركوع ، فهذا يكون قبل السلام ، فإذا اجتمع سهوان أحدهما يكون سجوده قبل السلام والثاني يكون سجوده بعد السلام فأيهما نقدم ؟
قال العلماء : يقدم ما كان قبل السلام ، من أجل أن ينصرف من صلاته وقد تمت ، فهذا رجل مثلاً نسي التشهد الأول في الركعتين الأوليين ، وجلس للتشهد الأول في الركعة الثالثة ظناً منه أنها هي الثانية ، ثم ذكر فقام وأتم ، فلدينا الآن سهوان ، أحدهما : أنه نسي التشهد الأول ، والثاني : أنه تشهد في غير موضع التشهد ، فهنا نقول : اسجد قبل السلام" انتهى من "اللقاء الشهري" (28/11) .
والله أعلم .