الحمد لله.
لا حرج في الدعاء بطول العمر ، لكن الأولى أن يُقَيَّد ذلك بما ينفع المدعو له في دينه ، فكم من طويل العمر لا يزداد بطوله إلا بعدا عن ربه .
وقد روى الترمذي (2329) وحسنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأنس بن مالك رضي الله عنه بطول العمر .
فروى البخاري في "الأدب المفرد" (653) باب من دعا بطول العمر ، عن أنس رضي الله عنه قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت ، فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم سليم : خويدمك ألا تدعو له ؟ قال : (اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له) .
فدعا لي بثلاث ، فدفنت مائة وثلاثة [يعني : من أولاده وأحفاده] ، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين ، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس ، وأرجو المغفرة) صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" وأصله في الصحيحين .
وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (5/146) قول عمر لعلي رضي الله عنهما : "صدقتَ ، أطال الله بقاءك" ، وقال : "وبهذا احتجَّ من احتج على جواز الدعاء للرجل بطول البقاء" انتهى .
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (1112) عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه : أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم ، فسلم فرد عليه : وعليك ورحمة الله وبركاته . فقال له الغلام : إنه نصراني ! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال : "إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين ، لكن أطال الله حياتك ، وأكثر مالك ، وولدك" حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب" (851) ، وقال : "في هذا الأثر إشارة من هذا الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر ، ولو للكافر ، فللمسلم أولى" انتهى .
وقال ابن الهيتمي رحمه الله :
"يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِطُولِ الْعُمُرِ كَمَا دَعَا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَسٍ ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَنْ فِي بَقَائِهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَيُنْدَبُ لَهُ الدُّعَاءُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ نَفْعُهُ قَاصِرًا فَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ " انتهى .
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (8/49) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
هل يجوز الدعاء بطول العمر ؟ أم أن العمر مقدر ولا فائدة من الدعاء بطوله ؟ .
فأجاب : "لا حرج في ذلك ، والأفضل : أن يقيده بما ينفع المدعو له ، مثل أن يقول : أطال الله عمرك في طاعة الله ، أو في الخير ، أو فيما يرضي الله " انتهى من مجموع فتاوى ابن باز (ج 8 / ص 425) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"تكرر من الإخوان الذين يقدمون الأسئلة الدعاء بطول العمر لمقدمي البرنامج ، وأحب أن يقيد طول العمر على طاعة الله فيقال : أطال الله بقاءك على طاعته . أو أطال الله عمرك على طاعته ؛ لأن مجرد طول العُمر قد يكون خيراً وقد يكون شرّاً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (3/453) .
أما طلب الزوج منك أن تسألي الله أن يأخذ من عمره ويعطيه لأبيه ، فنرى أنه لا حاجة إلى ذلك ، والله تعالى يفعل ما يشاء ، وهو على كل شيء قدير ، فهو سبحانه وتعالى قادر على أن يطيل عمر أبيه من غير أن يأخذ من عمره هو شيئاً .
وحيث إن والد زوجك مريض – نسأل الله له العافية – فالمستحب الدعاء له بما يشرع الدعاء به للمريض ، مما ثبت في السنة ، ومن ذلك :
- ما رواه أبو داود (3107) عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا أَوْ يَمْشِي لَكَ إِلَى جَنَازَةٍ) وفي لفظ : (إِلَى صَلَاةٍ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ : (أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً ، لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) متفق عليه .
- وروى الترمذي (2083) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ . إِلَّا عُوفِيَ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
والله أعلم