الحمد لله.
ثانياً :
معنى الحديث :
هناك بعض الألفاظ الموجودة في السؤال ولا توجد في لفظ الحديث الذي رواه ابن حبان ، ولكن سنذكر شرحها ومعناها لأنها واردة في أدعية أخرى .
العجز : هو عدم القدرة على فعل الشيء .
الكسل : التثاقل عن الفعل مع القدرة عليه .
قال ابن القيم رحمه الله :
"الإنسان مندوب إلى استعاذته بالله تعالى من العجز والكسل ، فالعجز عدم القدرة على الحيلة النافعة ، والكسل عدم الإرادة لفعلها ، فالعاجز لا يستطيع الحيلة ، والكـسلان لا يريدها" انتهى من "إعلام الموقعين" (3/336) .
ووصف ابن القيم هذين الخلقين في " زاد المعاد " (2/358) أنهما " مفتاح كل شر " .
الجبن : هو عدم الشجاعة ، وأن يمتنع الإنسان عن فعل ما ينبغي عليه فعله خوفاً على نفسه .
البخل : هو منع ما يجب بذله .
قال النووي رحمه الله :
"وَأَمَّا اِسْتِعَاذَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجُبْن وَالْبُخْل , فَلِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّقْصِير عَنْ أَدَاء الْوَاجِبَات , وَالْقِيَام بِحُقُوقِ اللَّه تَعَالَى , وَإِزَالَة الْمُنْكَر , وَالْإِغْلَاظ عَلَى الْعُصَاة , وَلِأَنَّهُ بِشَجَاعَةِ النَّفْس وَقُوَّتهَا الْمُعْتَدِلَة تَتِمّ الْعِبَادَات , وَيَقُوم بِنَصْرِ الْمَظْلُوم وَالْجِهَاد , وَبِالسَّلَامَةِ مِنْ الْبُخْل يَقُوم بِحُقُوقِ الْمَال , وَيَنْبَعِث لِلْإِنْفَاقِ وَالْجُود وَلِمَكَارِمِ الْأَخْلَاق , وَيَمْتَنِع مِنْ الطَّمَع فِيمَا لَيْسَ لَهُ" انتهى.
الهرم : كبر السن المؤدي إلى ضعف القوى .
قال النووي رحمه الله :
"أَمَّا اِسْتِعَاذَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهَرَم , فَالْمُرَاد بِهِ الِاسْتِعَاذَة مِنْ الرَّدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا , وَسَبَب ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْخَرَف , وَاخْتِلَال الْعَقْل وَالْحَوَاسّ وَالضَّبْط وَالْفَهْم , وَتَشْوِيه بَعْض الْمَنَاظِر , وَالْعَجْز عَنْ كَثِير مِنْ الطَّاعَات , وَالتَّسَاهُل فِي بَعْضهَا" انتهى.
القسوة : غلظ القلب ، وإذا وصف الإنسان بقسوة القلب ، فلا ينتفع بالموعظة ، ولا يرحم من يستحق الرحمة .
الغفلة : غيبة الشيء عن البال وعدم تذكره .
العيلة : الفقر .
الذلة : الهوان على الناس ، ونظرهم إلى الإنسان بعين الاحتقار والاستخفاف به .
المسكنة : قلة المال وسوء الحال .
الشقاق : مخالفة الحق .
النفاق : أن يظهر الإنسان الخير ويبطن الشر .
السمعة : التنويه بالعمل ليسمعه الناس .
الرياء : إظهار العبادة ليراها الناس فيحمدوه .
فالسمعة أن يعمل لله خفية ثم يتحدث بها تنويها ، والرياء أن يعمل لغير الله .
الصمم : عدم السمع أو ضعفه .
البكم : الخرس وهو عدم الكلام .
الجُذَام : مرض معروف ، تتآكل منه الأطراف .
البرص : مرض جلدي معروف .
سيء الأسقام : أي : الأسقام السيئة ، الأمراض الفاحشة الرديئة المزمنة .
انظر : " فيض القدير " للمناوي (2/122) .
ثالثاً :
بعض الفوائد المستنبطة من الحديث .
1- بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء ، وكيف أنه كان يستعيذ بالله من الأخلاق السيئة التي تقعد عن العمل ، وتبعث على التأخر والكسل ، فكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله أن يصاب بالعجز والكسل ، بل يحب أن يبعث الله فيه دائماً الهمة العالية ، والحرص على المسابقة في الخيرات .
2- وفيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على سلامة قلبه وبقائه غضاً نقياً ، هيناً ليناً ، بعيداً عن القسوة والغفلة والجفاء .
3- وفي هذا الدعاء يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً من العيلة والذلة والمسكنة : وهذه الثلاثة من أسباب ضعف الإنسان وقعوده عن العمل الصالح ، وقعوده عن عمارة الدنيا بالخير ، فالفقر سبب للهم والحزن والدين وانشغال القلب عن الآخرة ، والذلة يظهر أثرها على البدن فلا يزداد بها إلا ضعفاً وانكساراً ، والمسكنة المستعاذ منها في هذا الحديث المراد بها المقارنة للذلة ، فينبغي للمؤمن أن يسأل ربه العزة بالإيمان والعمل الصالح ، والقوة على الخير .
4- وفي استعاذته صلى الله عليه وسلم من النفاق والسمعة والرياء دليل على وجوب أن يحرص المؤمن دائماً على تحقيق التوحيد ، وتصفيته من الشوائب التي قد تشوبه ، فالسمعة والرياء من أنواع الشرك الأصغر التي تحبط الأعمال ، وإذا لم ينتبه المؤمن لما قد يتراكم على القلب من هذه الآفات هلك لا محالة .
5- وفي استعاذته صلى الله عليه وسلم من الأمراض والأسقام الحسية : كالصمم والبكم والبرص والجذام : دليل على أهمية قوة البدن وسلامته من الأفات ، إذ بقوة البدن وسلامته وصحته يستطيع المسلم أن يعبد الله تعالى ويجتهد في عبادته ، وينوع تلك العبادات والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .
والله أعلم .