الحمد لله.
من أركان النكاح : حصول الإيجاب والقبول ، والإيجاب هو قول الولي : زوجتك ابنتي ، والقبول : قول الخاطب : قبلت .
وما ذكرت قد اشتمل على ثلاث مسائل :
الأولى : انعقاد النكاح بغير لفظ : أنكحت وزوجت .
الثانية : تقديم القبول (لفظ الزوج) على الإيجاب من الولي .
الثالثة : كون اللفظ الصادر من الزوج بصيغة السؤال والاستفهام .
أما المسألة الأولى ، فقد اختلف فيها الفقهاء ، فالحنفية والمالكية على أن النكاح ينعقد بغير لفظي النكاح والتزويج ، ولهم في ذلك تفصيل .
والراجح : انعقاد النكاح بكل ما يدل عليه . فقول الولي : "خذها مع السلامة" لفظ يدل على الرضا والقبول . وينظر : "الشرح الممتع" (2/38) .
وأما المسـألة الثانية ، وهي تقديم القبول على الإيجاب ، فهذا لا يصح به النكاح عند الحنابلة، ويصح عند الجمهور .
وعليه ؛ فالصيغة التي تم بها العقد هنا : لا تصح عند الحنابلة ، من جهة تقدم القبول على الإيجاب ، أي : تقدم لفظ الزوج على لفظ الولي .
قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله : " إذا تقدم القبول على الإيجاب . لم يصح . رواية واحدة , سواء كان بلفظ الماضي , مثل أن يقول : تزوجت ابنتك . فيقول : زوجتك . أو بلفظ الطلب , كقوله : زوجني ابنتك . فيقول : زوجتكها .
وقال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي : يصح فيهما جميعاً ; لأنه قد وجد الإيجاب والقبول , فيصح كما لو تقدم الإيجاب .
ويدل على أنه لا يصح : أن القبول إنما يكون للإيجاب , فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً ; لعدم معناه , فلم يصح , كما لو تقدم بلفظ الاستفهام" انتهى من "المغني" (7/61).
وأما المسألة الثالثة وهي كون اللفظ الصادر من الزوج استفهاماً ، فهذا محل خلاف أيضاً :
فالحنابلة على أنه لا يصح .
والشافعية : يشترطون لصحته أن يقول الزوج بعد موافقة الولي : تزوجت .
والحنفية : يرجعون ذلك إلى الحال الذي كانا عليه ، فإن كان المجلس للعقد فهو عقد ، وإن كان للوعد فهو وعد .
ففي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (41/239) : " وأما صيغة الاستفهام فقال الحنفية : لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال ، قال في شرح الطحاوي : لو قال : هل أعطيتنيها ؟ فقال : أعطيت . إن كان المجلس للوعد فوعد ، وإن كان للعقد فنكاح ، قال الرحمتي : فعلمنا أن العبرة لما يظهر من كلامهما لا لنيتهما ، ألا ترى أنه ينعقد مع الهزل ، والهازل لم ينو النكاح.
وقال الشافعية : لو قال الزوج : أتزوجني ابنتك فقال الولي : زوجتك ، لم ينعقد ، إلا أن يقول الخاطب بعده : تزوجت .
ويرى الحنابلة أنه إذا تقدم الإيجاب بلفظ الاستفهام فإنه لا يصح " انتهى .
وينظر : "حاشية ابن عابدين" (3/11) ، "الأم" للشافعي (5/25) ، "روضة الطالبين" (7/39) ، "كشاف القناع" (5/40) .
وحيث إن الخاطب قد تكلم بصيغة السؤال والاستفهام ، وقدّم كلامه على كلام الولي ، وكان اللفظ الصادر من الولي هو " خذها مع السلامة " ، فإن هذا لا يصح نكاحا عند الحنابلة ؛ لوجود تقديم القبول ، والاستفهام ، ولكون الولي تكلم بغير لفظ التزويج والنكاح .
ولا يصح عند الشافعية ، لكون الزوج لم يقل بعد موافقة الولي : تزوجت ، وأيضا لكون الولي تكلم بغير لفظ التزويج والنكاح .
ولا يصح عند الحنفية ، لأن الحال أن هذا مجلس خطبة ومواعدة ، لا مجلس عقد .
وعلى هذا ؛ فالنكاح لم ينعقد بهذا اللفظ.
وأما الحديث فهو من رواية أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلاقُ ، وَالرَّجْعَةُ ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه ، وقد حسنه الألباني في "رواء الغليل" (1826) .
فلو حصل الإيجاب من الولي ، ثم القبول من الزوج ، وكان ذلك بصيغة الماضي ، وبلفظ النكاح أو التزويج ، مع وجود الشاهدين ، وكان العاقدان هازلين أو كان أحدهما هازلاً صح النكاح عند جمهور الفقهاء ؛ للحديث السابق .
وينظر : "فتح القدير" (3/199) ، "المغني" (7/61) ، "كشاف القناع" (5/40) ، "حاشية الدسوقي" (2/221) ، "بلغة السالك" (2/350) ، "نهاية المحتاج" (6/209) ، "روضة الطالبين" (8/54) .
والله أعلم .