الحمد لله.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأفراد وجماعات من المشركين بالهداية ، ودعا على آخرين بالهلاك والعذاب .
وهذه بعض الأحاديث الواردة في ذلك :
أولاً :
الأحاديث في الدعاء لقوم من الكفار بالهداية :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً ... فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّى كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَىَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِى فِيكَ مَا أَكْرَهُ ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) ... فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . رواه مسلم (2491) .
فها هي تنال من النبي صلى الله عليه وسلم ، وتُسمع ابنها في نبيه ما يكره ، ولا يمنع ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم من الدعاء لها بالهداية ، فيستجيب الله تعالى دعاءه .
2- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَأْتِ بِهِمْ) رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) .
وقد استجاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وجاء بهم أجمعين مهتدين .
وانظر جواب السؤال رقم (43164) .
ثانيا :
الأحاديث في الدعاء على قوم من الكفار بالعذاب والهلاك :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ . رواه البخاري (4284) .
هذا لفظ البخاري ، وفي الصحيحين ذِكر أسماء بعض المسلمين ، وذِكر اسم قبيلة من الكفار .
ولفظه عندهما : (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة ، وإذا سمَّى مَن يدعو لهم مِن المؤمنين ، ومَن يدعو عليهم مِن الكافرين المحاربين : كان ذلك حسناً" انتهى .
"مجموع الفتاوى" (22/271) .
2- وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ، شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ) . رواه البخاري (2773) ومسلم (627) .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله :
"وفي الحديث : دليل على جواز الدعاء على الكفار بمثل هذا" انتهى .
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 101) .
3- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، سَرِيعَ الْحِسَابِ ، اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) . رواه البخاري (2775) ومسلم (1742) .
(الأحزاب) : قريش ، وغطفان ، ومن ناصرهما .
4- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ) . رواه البخاري (237) ومسلم (1794) .
5- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . رواه البخاري (237) ومسلم (1794) .
6- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ ) . رواه البخاري (6011) .
قال العيني رحمه الله :
"وإنما خصَّ " الجحفة " لأنها كانت يومئذ دار شرك ، وقال الخطابي : وكان أهل الجحفة إذ ذاك يهوداً ، وكان كثيراً ما يدعو على مَن لم يجبهم إلى دار الإسلام إذا خاف منه معونة أهل الكفر ، ويسأل الله أن يبتليهم بما يشغلهم عنه ، وقد دعا على قومه أهل مكة حين يئس منهم فقال : (اللهم أعنِّي عليهم بسبع كسبع يوسف) ودعا على أهل الجحفة بالحمى ليشغلهم بها ، فلم تزل الجحفة من يومئذ أكثر بلاد الله حمَّى ، وإنه ليتقى شرب الماء من عينها الذي يقال له " عين حم " فقلَّ مَن شرب منه إلا حُمَّ ، ولما دعا عليه الصلاة والسلام بذلك الدعاء لم يبق أحد من أهل الجحفة إلا أخذته الحمَّى" انتهى .
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (10/251) .
وقال الزرقاني رحمه الله :
"ففيه جواز الدعاء على الكفار بالأمراض والهلاك ، وللمسلمين بالصحة" انتهى .
"شرح الزرقاني على موطأ مالك" (4/287) .
وقال ابن بطال رحمه الله :
"كان الرسول يحب دخول الناس فى الإسلام ، فكان لا يَعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام ، بل كان يدعو لمَن كان يرجو منه الإنابة .
ومَن لا يرجوه ، ويَخشى ضره ، وشوكته : يدعو عليه ، كما دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، ودعا على صناديد قريش ، لكثرة أذاهم وعداوتهم ، فأجيبت دعوته فيهم ، فقتلوا ببدر ، كما أسلم كثير ممن دعا له بالهدى" انتهى .
"شرح صحيح البخارى" (5/114) .
وقال العيني رحمه الله :
"وقد ذكرنا أن دعاء النبي على حالتين : إحداهما : أنه يدعو لهم إذا أمِن غائلتهم ، ورجا هدايتهم ، والأخرى : أنه يدعو عليهم إذا اشتدت شوكتهم ، وكثر أذاهم ، ولم يأمن مِن شرهم على المسلمين " انتهى .
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (21/443) .
وعلى هذا ، فلكل مقام مقال ، ففي الحال التي يشتد فيها عداء الكفار للمسلمين وأذيتهم لهم ، فالمشروع في هذه الحال الدعاء عليهم .
وفي الحال التي يقل فيها عداؤهم ، أو يُرجى إيمانهم أو تأليفهم فالمشروع هو الدعاء لهم بالهداية .
فما يقوم به إخوان القردة الآن من مجازر وحشية ضد إخواننا في غزة ، يستحقون الدعاء عليهم بالتضييق والشدة والهلاك ، اللهم إلا من عرف منهم بكراهيته لذلك الظلم وعدم رضاه به ، فمثل هذا ، لا بأس من الدعاء له بالهداية .
نسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين ، ويحفظ إخواننا في غزة ، ويهلك اليهود وأعوانهم .
والله أعلم