هناك عادة عند المسلمين الأحناف في الهند أن الزوجة لا يجوز لها أن ترى جثة زوجها الميت . ويدعون أن المرأة إذا مات زوجها فهي أرملة .
ولا يجوز لها أن تظهر أمام أي من الرجال المحارم الأحياء منهم والميتين وهم يعتبرون أنه من المحرم على المرأة أن تشاهد جثة زوجها .
هل هناك حديث صحيح يؤيد هذا الكلام ؟ أرجو التوضيح.
الحمد لله.
هذا السؤال فيه مسألتان :
الأولى : رؤية المرأة جثة زوجها بعد وفاته .
والثانية : رؤيتها لمحارمها .
الأولى : يجوز للمرأة أن ترى جثَّة زوجها ، ولا مانع من ذلك ، بل إن الزوجة لها أن تغسِّل زوجها الميت .
روى الإمام مالك في الموطأ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لا ) ( الجنائز/466 ) ، قال صاحب المنتقى على شرح الموطَّأ في هذا الحديث : يدل على جواز غسل المرأة زوجها بعد وفاته ، لأن هذا كان بحضرة جماعة من الصحابة ... لا سيما أن أبا بكر أوصى بذلك ولم يعلم له مخالف من الصحابة فثبت أنه إجماع .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ نِسَائِهِ ) رواه ابن ماجة ( الجنائز/1453 ) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1196) فرؤية المرأة لجثَّة زوجها جائز من باب أولى .
ويقيد الجواز بما إذا كانت المرأة في عدتها ، فإذا انقضت عدتها كأن تكون حاملاً فتضع بعد موت زوجها مباشرة : فلا يحل لها أن تغسله ولا أن تنظر إليه .
وقد سألتُ ( الشيخ المنجد ) الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - قبل وفاته - عن رجل مات فولدت امرأته بعد ساعات فهل تغسل زوجها ؟
فأجاب : لا ، إذا ولدت : انقطعت العلاقة بينها وبين زوجها فلا يجوز أن تغسله لأنها صارت الآن غير زوجة له .
" شريط مائة فائدة من العلامة الشيخ ابن عثيمين " .
وإنما نُهِيَ النساء عن النياحة على الميت ، وقد جاء في الحديث عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ : ( أَنْ لا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ أُمِّ سُلَيْمٍ وَأُمِّ الْعَلَاءِ وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى ) رواه البخاري (الجنائز / 1223) ، وعن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ ) رواه مسلم ( الجنائز/1550 )
الثانية :
يجوز لها رؤية محارمها ولا يجب عليها أن تحتجب عنهم .
ولا علاقة بين موت زوج المرأة والنظر إلى محارمها ، لذا استُحب لمحارمها أن يعزوها ، ويكون هذا برؤيتها ومصافحتها والكلام والجلوس معها ، ولا يعرف بين العلماء من يخالف في هذا .
قال النووي رحمه الله: قال الشافعي والأصحاب : يستحب أن يعزِّي جميع أقارب الميت أهلَه الكبار والصغار، الرجال والنساء ، إلا أنْ تكون المرأةُ شابَّةً فلا يُعزِّيها إلا محارمُها .
"المجموع " ( 5 / 277 ) .
وما ذكره السائل إنما هو من خرافات العوام وجهالاتهم .
سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن تغطية المرأة وجهها عن محارمها فقال :
لا يجوز ذلك ( أي تغطية الوجه ) لأنه ليس من الشرع ، بل هو خرافات العوام وخزعبلاتهم .
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/2 ص/709 ، والله أعلم .