الحمد لله.
أولا :
غسل الجنابة فرض واجب باتفاق الأمة ، والواجب فيه تعميم البدن كله بالماء ، بما في ذلك الرأس .
قال النووي في : ( بَاب صِفَة غُسْلِ الْجَنَابَة ) : " وَالْوَاجِب مِنْ هَذَا كُلّه النِّيَّة فِي أَوَّل مُلَاقَاة أَوَّل جُزْء مِنْ الْبَدَن لِلْمَاءِ , وَتَعْمِيم الْبَدَن شَعْره وَبَشَره بِالْمَاءِ , وَمِنْ شَرْطه أَنْ يَكُون الْبَدَن طَاهِرًا مِنْ النَّجَاسَة , وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّة " انتهى .
"شرح مسلم" (3/229) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" أما تعميم البدن : فلا يتم مفهوم الغسل إلا به " انتهى .
"السيل الجرار" (1/ 113) .
ثانيا :
رخص الله تعالى للمريض الذي يعجز عن استعمال الماء ، أو يشق استعماله عليه مشقة لا يحتملها هو : أن يتيمم ، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة ، وتخفيفه عنها ، ما لم يخفف عن الأمم التي قبلها . قال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) النساء / 43
قال السدي : " هو الجراح . والجراحة التي يتخوّف عليه من الماء ، إن أصابه ضرَّ صاحبه ، فذلك يتيمم صعيدًا طيبًا " .
وقال مجاهد : " والمرض أن يصيب الرجل الجرح والقرح والجدريّ ، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه ، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء " انتهى .
تفسير الطبري - (8 / 386-387) .
قال الطبري: " فتأويل الآية إذًا : وإن كنتم جَرْحى أو بكم قروحٌ ، أو كسر ، أو علّة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة ، وأنتم مقيمون غيرُ مسافرين ، فتيمموا صعيدًا طيبًا " انتهى .
"تفسير الطبري" (8 / 388)
وقال السعدي رحمه الله :
" فأباح التيمم للمريض مطلقًا ، مع وجود الماء وعدمه ، والعلة : المرض الذي يشق معه استعمال الماء " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 179) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ ، حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ : فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ .
فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِتَضَرُّرِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَزِيدُ الِاغْتِسَالُ فِي مَرَضِهِ ، أَوْ يَكُونَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَإِنْ اغْتَسَلَ خَافَ أَنْ يَمْرَضَ بِصُدَاعِ أَوْ زُكَامٍ أَوْ نَزْلَةٍ : فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ الْجِمَاعِ ؛ بَلْ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى الِاغْتِسَالِ [ اغتسلت ] ؛ وَإِلَّا تَيَمَّمَتْ . وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ " . انتهى .
مجموع الفتاوى (21/451) ، وينظر (21/443( .
ثالثا :
من أمكنه أن يغسل بعض أعضائه ، وعجز عن غسل الباقي : غسل ما قدر عليه ، وتيمم عن الباقي .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" الْجَرِيحَ وَالْمَرِيضَ إذَا أَمْكَنَهُ غَسْلُ بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ , لَزِمَهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ , وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ " انتهى .
"المغني" (1/162) .
قال علماء اللجنة :
" من به جروح أو قروح أو كسر ، أو مرض يضره منه استعمال الماء ، فأجنب : جاز له التيمم ، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك ، وتيمم للباقي " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24 / 407-408)
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر ، وعندي نزلة طولة العام ، فكيف أصلي ؟ هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط ؟ علمًا بأنني أُصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع ، وكثيرًا ما أترك الصلاة لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط .
فأجاب :
" إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض : كفاك مسحه مع التيمم ؛ لقول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم ) .
"مجموع الفتاوى" (10/181) .
وبناء على ما سبق : فإذا كان غسل الرأس يضرك ضررا شديدا ، ولا تقدرين على غسله إلا بحرج شديد ، لما يصيبك من الصداع : فإنه يجوز لك أن تغسلي بقية جسدك ، وتمسح على رأسك ، وتتيممي له . وقد قال الله عز وجل في آخر آية التيمم : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة / 6
أما إن كان الصداع الذي يصيبك عند غسل الرأس صداعا محتملا – ولو ببعض مشقة – أو كان يمكن علاجه ببعض الأدوية ، أو كان لا يستمر في العادة إلا فترة يسيرة ، أو كان يزول باستعمال الماء الحار دون البارد ، ونحو ذلك : فليست لك رخصة في ترك غسل الرأس أثناء الغسل ، ولا يوجد بديل عن غسله .
وإن كان يصيبك الصداع بسبب تكرار الغسل ، فاغسلي رأسك بالمقدار الذي يغلب على ظنك أنه لا يصيبك من ورائه الصداع ، إما تغسلينه مرة ، وتتركين مرة ، أو تغسلي مرتين وتتركي مرة ، أو ما قدرت عليه ، ولا يضرك فعله .
ويمكنك التسهيل في غسل الرأس باستعمال أقل قدر من الماء تتحققين به وصول الماء إلى جميع الرأس ، ويمكنك أيضا ألا تنقضي ضفائر رأسك ، إن كان لك شعر طويل تضفرينه .
والنصيحة لك ـ أخيرا ـ بعرض نفسك على طبيب ثقة ، لعل بك علة تزول بالدواء .
وينظر : إجابة السؤال رقم (27065) ، (129496) .
والله أعلم .