الحمد لله.
الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة في شرائعه التي شرعها لعباده ، لكن هذه الحكمة لا تظهر إلا لمن بحث عنها وهو مؤمن بتمام حكمته سبحانه وتعالى ، ونظر وتأمل في المصالح التي تترتب على شرع الله تعالى والتي قد لا يراها الإنسان في النظر العابر غير المتأمل ، خاصة إذا وُجد من يطعن في هذه التشريعات لمخالفتها لما يظنه حقا وحكمة ومصلحة .
أما الجواب التفصيلي على سؤالك عن سبب إباحة المرأة المملوكة بملك اليمين على سيدها : فالجواب : أن ذلك لإباحة الله له ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) المؤمنون/6 ، المعارج/30 ، وذلك بشرط أن يكون ملكه لها كان بوجه صحيح ، وألا تكون هذه الأمة قد زوَّجها سيدها برجل آخر وهي لا تزال في عصمة هذا الزوج ، وسبب هذه الإباحة أن هذه الأمة داخلة في ملكه ، بسبب بذله للمال بالشراء أو بذله لنفسه في سبيل الله .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : وسبب الملك بالرق : هو الكفر ، ومحاربة الله ورسوله ، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله فتكون كلمة الله هي العليا على الكفار : جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين . أ.هـ " أضواء البيان " 3/387 .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
فإن قيل : إذا كان الرقيق مسلماً فما وجه ملكه بالرق ؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال .
فالجواب : أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء : أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق ، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها .
فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي : ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع ، وهو الحكيم الخبير ، فإذا استقر هذا الحق وثبت ، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام ، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه كما هو معلوم عند العقلاء .
نعم ، يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم ، وقد أمر الشارع بذلك ورغَّب فيه ، وفتح له الأبواب الكثيرة كما قدمنا ـ يشير بذلك إلى كون الله تعالى قد جعل الدخول في الإسلام شرطا في عتق الرقبة في أبواب الكفارات ـ
فسبحان الحكيم الخبير ( وتمَّت كلمة ربِّك صدقاً وعدلا لا مبدِّل لكلماته وهو السميع العليم ) الأنعام/115.
فقوله صدقاً أي : في الأخبار ، وقوله عدلاً أي : في الأحكام .
ولا شك أن من ذلك العدل : الملك بالرق وغيره من أحكام القرآن .
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم " أضواء البيان " ( 3 / 389 )
أما امتلاك المسلم للرقيق فإنه ينبغي التحرز الشديد في ثبوت الرق لمن يُباع أو يُشترى الآن لأن الإسلام حصر مصادر الرق التي كانت متعددة قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد وهو : رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار في حال قتال المسلمين لهم فلا يسري الرق إلا عليهم أو على من كان من نسلهم ، ويمكنك مراجعة السؤال ( 26067 ) ( 12562 ) ففيهما زيادة تفصيل .
والله أعلم.