الحمد لله.
ثانياً:
يفرق العلماء بين مسألة السماع والاستماع ، لكن ما تسأل عنه ليس داخلاً في التفريق
.
عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قال : " سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ صَوْتَ زَمَّارَةِ
رَاعٍ فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ فِى أُذُنَيْهِ وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ عَنِ الطَّرِيقِ
وَهُوَ يَقُولُ : يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ ؟ فَأَقُولُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَيَمْضِى
حَتَّى قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَيْهِ وَأَعَادَ الرَّاحِلَةَ إِلَى
الطَّرِيقِ ، وَقَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَ
صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا " .
رواه أبو داود ( 4924 ) ، وصححه الألباني في " تحريم آلات الطرب " ( ص 116 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فإنَّ النَّهي إنما يتوجه إلى الاستماع ،
دون السماع , ولهذا لو مرَّ الرجل بقوم يتكلمون بكلام محرَّم : لم يجب عليه سد
أذنيه ، لكن ليس له أن يستمع من غير حاجة , ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم
ابن عمر بسدِّ أذنيه لمَّا سمع زمارة الراعي ؛ لأنه لم يكن مستمعاً ، بل سامعاً "
انتهى من "مجموع الفتاوى " ( 11/ 630 ) .
وقال شيخ الإسلام – أيضاً - : " وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه
وسلم استمع إلى ذلك ، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع ، لا بمجرد السماع ، كما
في الرؤية ، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية ، لا بما يحصل منها بغير الاختيار , وكذلك
في اشتمام الطيب ، إنما يُنهى المحرِم عن قصد الشمِّ ، فأما إذا شمَّ ما لم يقصده :
فإنه لا شيء عليه .
وكذلك في مباشرة المحرمات ، كالحواس الخمس ، من السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ،
واللمس ، إنما يتعلق الأمر والنهى في ذلك بما للعبد فيه قصد ، وعمل ، وأما ما يحصل
بغير اختياره : فلا أمر فيه ، ولا نهي .
وهذا مما وُجِّه به حديث ابن عمر ... ، فإن منَ الناس من يقول - بتقدير صحة الحديث
- : لم يأمر ابنَ عمر بسد أذنيه ، فيجاب : بأن ابن عمر لم يكن يستمع , وإنما كان
يسمع ، وهذا لا إثم فيه ، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم عدل طلباً للأكمل ،
والأفضل ، كمن اجتاز بطريقه فسمع قوماً يتكلمون بكلام محرَّم فسد أذنيه كيلا يسمعه
، فهذا أحسن ، ولو لم يسد أذنيه : لم يأثم بذلك ، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر
ديني لا يندفع إلا بالسد " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 11 / 566 ، 567 ) .
فتبين بذلك أن "السماع" : هو ما يَرِد إلى السمع من غير الشخص نفسه ، كالموسيقى في
المواصلات العامة ، وفي الطائرة ، ومن بيوت الجيران ، أو من المار في الطريق ، أو
من الهاتف حين الاتصال بالاستعلامات أو ببعض الشركات والخطوط الجوية للحجز .
وأما ما يكون منه أو من الأجهزة التي تحت تصرفه : فإنه الاستماع ولا شك ، والسماع
للمنكر الذي يصدر من غيرك لا تستطيع إيقافه ، ولا يلزمك سد أذنيك عنه ، وأما ما
يصدر منك : فإنك تملك إيقافه ، ويحرم عليك استماعه ، فظهر الفرق بينهما .
سُئل علماء اللجنة الدائمة : نضطر إلى سماع الأغاني ، أو الموسيقى ، سواء في
الحافلة التي تنقلنا إلى العمل يوميّاً ، أو الحافلات ، والتاكسيات ، التي نحتاجها
في السفر بعض الأحيان ، فما الحكم ؟ .
فأجابوا :
" إذا كنت لا تستطيع منع الأغاني في الحافلة ، وأنت محتاج إلى ركوبها لبعد المسافة
، ولا تجد وسيلة غيرها : فلا بأس عليك في ذلك ، مع إنكار المنكر حسب استطاعتك ، ولو
في قلبك ". انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 26 / 241 ) .
وسئلوا – أيضاً - : ما حكم من يسمع الغناء في التليفون الذي يكون مضطراً أن يحجز
عليه لدى الخطوط الجوية ؟ حيث إنه – غالباً - يرد جهاز تسجيل ملحق به ، ويطلب منه
الانتظار ، ثم يسمعك أغنية ، أو موسيقى ، وأيضاً في مقدمة الندوات الدينية ، أو
العلمية التي نكون في شوق لأن نتعلم من تلك الندوة ، أو البرنامج العلمي ؟ .
فأجابوا : " استماع الغناء لا يجوز، وأما سماعه بدون قصد - كما يعرض في الطريق ، أو
التليفون - : فنرجو ألا حرج ". انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (26 / 238 ) .
ولذا فمن كان يشاهد الأخبار ، أو البرامج الوثائقية : فظهرت صورة امرأة ، أو صوت
موسيقى : فإنه يجب عليه غض بصره ، وكتم صوت الموسيقى فوراً .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ما حكم استماع بعض البرامج المفيدة كأقوال
الصحف ونحوها التي تتخللها الموسيقى ؟ .
فأجاب : " لا حرج في استماعها ، والاستفادة منها ، مع قفل المذياع عند بدء الموسيقى
حتى تنتهي ؛ لأن الموسيقى من جملة آلات اللهو ، يسر الله تركها والعافية من شرّها "
.
انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 389 ) .
والله أعلم .