حكم التأجير المنتهي بالتمليك مع اشتراط الصيانة على المستأجر
ذهبت لشراء سيارة من أحد معارض السيارات ، بنظام : "التأجير المنتهي بالتمليك" وكان من بنود العقد : أن نفقات الصيانة خلال مدة التأجير تكون على المستأجر ، وليس على المعرض ، فهل هذا جائز؟
الجواب
الحمد لله.
عقد الإجارة المنتهي بالتمليك ، له صور ، منها الجائز ، ومنها الممنوع . ومن الصور
الجائزة : أن يقترن بعقد الإجارة وعدٌ بالبيع ، ثم إذا انتهت الإجارة أجرى الطرفان
عقد البيع بما يتفقان عليه من الثمن ، فهذا جائز .
ومنها : أن يقترن عقد الإجارة بعقد هبةٍ للعين معلقا على سداد كامل الأجرة ، أو
بوعدٍ بالهبة بعد سداد كامل الأجرة ، فهذا جائز .
ويشترط في جميع الصور الجائزة أن تكون الإجارة حقيقية ، غير ساترة للبيع , فيكون
ضمان السلعة المؤجرة أي السيارة أو العقار على المؤجِّر (الشركة) ، لا على المستأجر
، وكذلك نفقات الصيانة تكون على المؤجِّر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة ، وهذا
بخلاف البيع ، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري ، لأنه يملك السلعة بمجرد
العقد ، ويكون ضمانها عليه إذا استلمها .
وفي حال اشتمال العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا
إسلاميا لا تجاريا ، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر ، سواء كان التأمين شاملا
أو جزئيا ؛ لأن ضمان العين المؤجرة عليه لا على المستأجر ، ولا يضمنها المستأجر إلا
إذا حصل منه تعدٍّ أو تقصير .
فتحصل من ذلك أنه يشترط لصحة العقد أمور :
1- أن يكون ضمان العين على المالك لا على المستأجر .
2- أن تكون الصيانة - غير التشغيلية - على المالك خلال مدة الإجارة كلها .
3- أنه لا يجوز إلزام المستأجر بالتأمين ، بل التأمين على المالك .
وهذه الأمور جاء منصوصا عليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، وسبق نقله في
جواب السؤال رقم (97625) .
ومما ورد فيه بشأن الصيانة : " تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجِّر لا
على المستأجر طوال مدة الإجارة ".
وأما الصيانة التشغيلية ، ويراد بها ما تحتاجه الآلة للاستمرار في العمل كالزيت
ونحوه ، فهذه تكون على المستأجر.
وقد ذهب بعض العلماء ـ وهو رواية عن الإمام أحمد، كما في "المغني" (5/311) – إلى
أنه يجوز أن يشترط المؤجِّر على المستأجر أن يكون ضمان العين المؤجرة عليه ، فلعل
المعرض قد استفتى من أفتاه بهذا القول .
وهذا القول مخالف لما اعتمده مجمع الفقه الإسلامي كما سبق ، ومخالف أيضا لما عليه
جمهور الفقهاء .
قال في "درر الحكام شرح مجلة الأحكام" (1/514) : " إذا شرط الضمان على المستأجر في
حال تعيب أو هلاك المأجور بلا تعد ولا تقصير ، أو شرط رد المأجور إلى المؤجر بلا
عيب تكون الإجارة فاسدة " انتهى .
وصرح المالكية أيضا بفساد الإجارة عند اشتراط الضمان على المستأجر . ينظر :
"المدونة" (3/450) ، "بلغة السالك" (4/42) .
وقال في "المغني" (5/311) : " فإن شرط المؤجِّر على المستأجر ضمان العين , فالشرط
فاسد ; لأنه ينافي مقتضى العقد . وهل تفسد الإجارة به ؟ فيه وجهان , بناء على
الشروط الفاسدة في البيع . قال أحمد فيما إذا شرط ضمان العين : الكراء والضمان
مكروه . وروى الأثرم , بإسناده , عن ابن عمر , قال : لا يصلح الكراء بالضمان . وعن
فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون : لا نكتري بضمان , إلا أنه من شرط على كري أنه لا
ينزل متاعه بطن واد , أو لا يسير به ليلا , مع أشباه هذه الشروط , فتعدى ذلك , فتلف
شيء مما حمل في ذلك التعدي , فهو ضامن , فأما غير ذلك , فلا يصح شرط الضمان فيه ,
وإن شرطه لم يصح الشرط " انتهى .
والعلة التي من أجلها حكم العلماء بفساد الإجارة إذا تم الاتفاق مع المستأجر على أن
ضمان العين المستأجرة عليه : أن تكاليف هذا الضمان مجهولة ، فقد يتكلف الكثير أو
القليل من المال ، أو لا يتكلف شيئاً ، حسب الأعطال التي تحصل للسيارة ، وهذه
الجهالة تفسد العقد ، لأن من شروط صحة عقد البيع ـ وكذلك الإجارة ـ : علم المؤجِّر
والمستأجر بالأجرة المدفوعة .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/286) : "ولا يجوز اشتراط صيانة العين على المستأجر ,
لأنه يؤدي إلى جهالة الأجرة , فتفسد الإجارة بهذا الاشتراط باتفاق المذاهب" انتهى .
ولهذا ، فالذي يظهر لنا رجحانه ـ والله أعلم ـ هو ما ذهب إليه جماهير العلماء ، وهو
المعتمد عند أئمة المذاهب الأربعة ، وبه صدر قرار المجمع الفقهي : أن صيانة العين
المستأجرة يجب أن تكون على المؤجِّر ، ولا يجوز أن يلزم بها المستأجر ، وهذا من
الأمور التي تميز عقد الإجارة من البيع .
والله أعلم .