الحمد لله.
لا يجوز صنع الدواء بهذه الطريقة ، لأن فيها استعمالاً للخمر ، والله تعالى أمر باجتناب الخمر فقال : (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ومنع النبي صلى الله عليه وسلم صناعة الدواء من الخمر ، وأخبر أن الخمر داء وليست بدواء .
روى مسلم (1984) أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا ، فَقَالَ : إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ ، فَقَالَ : (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) .
قال النووي رحمه الله :
"هذا دليل لتحريم اتخاذ الخمر [يعني : الاحتفاظ بها] وتخليلها [أي : تحويلها إلى خل] ، وفيه التصريح بأنها ليست بدواء ، فيحرم التداوي بها" انتهى .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (41760) .
لكن ... إذا تم صنع الدواء بهذه الطريقة المحرمة ، فيجوز تناوله إذا استهلكت الخمر في هذا الدواء ، ولم يبق لها أثر من لون أو طعم أو ريح .
فإن كان أثرها باقياً في الدواء ، فلا يجوز استعماله ؛ لأن في استعماله استعمالاً للخمر ، وتناولاً لها .
قال البهوتي رحمه الله :
"وَلَوْ خَلَطَ الْمُسْكِرَ بِمَاءٍ فَاسْتُهْلِكَ الْمُسْكِرُ فِيهِ ثُمَّ شَرِبَهُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي الْمَاءِ لَمْ يُسْلَبْ اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ" انتهى .
"كشاف القناع" (6/118) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لَوْ وَقَعَ خَمْرٌ فِي مَاءٍ وَاسْتَحَالَتْ ثُمَّ شَرِبَهَا شَارِبٌ لَمْ يَكُنْ شَارِبًا لِلْخَمْرِ ؛ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ طَعْمِهَا وَلَوْنِهَا وَرِيحِهَا . وَلَوْ صُبَّ لَبَنُ امْرَأَةٍ فِي مَاءٍ وَاسْتَحَالَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ وَشَرِبَ طِفْلٌ ذَلِكَ الْمَاءَ : لَمْ يَصِرْ ابْنَهَا مِنْ الرِّضَاعَةِ بِذَلِكَ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (21/33) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"لا يجوز خلط الأدوية بالكحول المسكرة ؛ لكن لو خلطت بالكحول جاز استعمالها إن كانت نسبة الكحول قليلة لم يظهر أثرها في لون الدواء ولا طعمه ولا ريحه ، وإلا حرم استعمال ما خلط بها" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة " (25/39) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"الكحول مادة مسكرة كما هو معروف فتكون خمراً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وفي رواية : (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ) .
وعلى هذا ؛ فإذا خالطت هذه الكحول شيئاً ولم تضمحل بما خالطته صار هذا الشيء حراماً ؛ لأن هذا الخليط أثر فيه . أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر فإنه لا يحرم بذلك" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (122/21) .
وقال أيضا :
"وأما خلط بعض الأدوية بشيء من الكحول ، فإنه لا يقتضي تحريمها ، إذا كان الخلط يسيرا لا يظهر له أثر مع المخلوط" انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/193) .
والله أعلم .