الحمد لله.
1. إن الأسرة السعيدة هي الأسرة المتماسكة فيما بينها ، تجتمع على الطاعة ، ويسودها الحب والوئام ، ولا يمكن لأسرة أن تشعر بالسعادة مع وجود التفرق فيما بين أفرادها ، ووجود البغض والكراهية فيما بينها ، ولذا كان لا بدَّ للأسرة من ربَّان يقود دفة البيت إلى الأمان ، ويجنبه المخاطر والهلاك ، وهو الأب ، وتعينه على تلك القيادة زوجته ، ومن هنا جعلهما الشرع المطهر مسئولين عن أفراد أسرتيهما .
عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) .
رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
2. وإن من مسئولية الأبوين تعليم أولادهما – ذكوراً وإناثاً – على البر والصلة والصلاة ، وتجنيبهم كل ما يسخط الله تعالى ، كما أن من مسئولية الأبوين إعداد أولادهم لتحمل مسئولية ما بعد خروجهم من بيت أهليهم ، فيعوَّد الابن على ما يناسب ذكوريته من أعمال ، كشراء الأغراض من المحال ، ومساعدة والده في صيانة المنزل ، وتعوَّد الأنثى على ما يناسب أنوثتها من أعمال ، كالقيام بالتدبير المنزلي ، والقيام بمساعدة والدتها في أعمال المطبخ ، مع التنبيه على أنه ثمة أعمالا مشتركة بين الجميع لا ينبغي التهاون فيها ، كترتيب كل واحد منهم لفراشه ، وغرفته ، وأغراضه الشخصية ، وينبغي أن يكون ذلك كله بالتدرج ، والإقناع ، مع الرفق ، وعدم تحميل أحد منهم ما لا طاقة له به .
3. وإن من القواعد المتبعة عند الناجحين في تربية أولادهم : أن يتولى الأب تعليم وتوجيه أبنائه الذكور ، وأن تتولى الأم تعليم وتوجيه بناتها الإناث ؛ لقرب كل واحد من جنسه ، ولسهولة إيصال الأهداف المنشودة كلٌّ للطرف الذي يتولى تعليمه وتوجيهه .
4. هذا ، ولا ينبغي للأم أن تحمِّل ابنتها ما لا طاقة لها به من العمل المنزلي ، وإنها إن فعلت ذلك فستجني شوكاً وحنظلاً جرَّاء فعلها ذاك ، وليست البنت سجينة مع الأعمال الشاقة في بيت أهلها حتى تفعل الأم معها مثل ما جاء في السؤال ، بل هذا مما يحرم عليها فعله ، ثم هو يُنتج نتائج عكسية ، وسيعود ضررها على الأم ، ثم على الأسرة كلها ، ومن المعلوم أن الضغط يولِّد الانفجار ، وقد حصل مثل هذا مع أسرٍ كثيرة ، كان من نتيجته : أن هربت البنت من بيت أهلها ! ولك أن تتصور أثر تلك الفضيحة على الأسرة كلها ، وقد حصل أن طلِّقت الزوجات بسبب ذلك ، وحصل – قريباً – أن انتحر والد فتاة هربت من بيت أهلها .
لذا : فعلى الأم أن تتقي الله ربَّها ، وأن تعلم أنها راعية في بيتها ، وستسأل يوم القيامة عن رعيتها تلك هل نصحتها ؟ هل أدت الأمانة المناطة بها على أحسن وجهها ؟ وإن ما تفعله بعض الأمهات من تثقيل الحِمْل على بناتها في العمل المنزلي ليس صواباً ، وإن عليها أن توزع أعمال المنزل على جميع أولادها ، كلٌّ حسب طاقته ، ووقته ؛ بل ينبغي أن تعلم الأم الكريمة أن شئون البيت مسئوليتها هي أولا ، فهي الراعية في بيت زوجها ، وهي المسئولة عن خدمته ، وإنما تحمل أبناءها بقدر ما يطيقون ، وما تدربهم عليه من الأعمال .
5. ولا ينبغي للوالدين أن يكون همهم العمل المنزلي دون أن يكون للتوجيه الديني منزلته ، فيُعطى الأولاد أوقاتاً مناسبة للصلاة ، وطلب العلم ، والاستفادة من عمرهم لآخرتهم ، ويُعطى وقت خاص للبنات لتعليمها ـ زيادة عن أشقائها ـ ما تحتاجه من الفقه المتعلق بالنساء ، كأحكام الحيض وعلامات البلوغ ، وغير ذلك . ثم الأهم من ذلك تربيتها على الأدب والعفاف والحياء .
6. وعلى الوالد أن يتقي الله ربَّه في أبنائه الذكور ، وأن يحسن تربيتهم ، ويعلمهم الجد والاجتهاد ، وتركهم على الحال الذي جاء ذِكره في السؤال ضرر عليهم ، وعليه ، وعلى الأسرة كلها ، فترك توجيههم التوجيه السديد ، والرضى لهم بالكسل : يدل على تفريط في إدارة دفة البيت ، ويدل على تقصير في الأمانة التي حمَّله إياها ربه تعالى ، فإذا أضيف إلى ذلك نظرهم لمحرَّم ، واستماعهم لمنكر : صار شريكاً لهم في الإثم ، وكذا تأثم والدتهم إن هي رضيت بذلك الحال السيئ الذي هم فيه .
ونسأل الله تعالى أن يهدي الوالدين لما فيه رضاه ، وأن يجمع أفراد أسرتهما على طاعة الله تعالى ، وأن يصلح حالهم وبالهم ، وأن ييسر لك الزوج الصالح والسكن في بيت جديد ، وأسرة صالحة .
والله أعلم