الحمد لله.
أولا :
من أصول الأخلاق المقررة في الفطر ، والتي جاء الشرع بالتأكيد على عظيم قدرها : أداء الأمانة ، والتنفير من الغدر والخيانة . قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) النساء/58 . وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنفال/27 .
وقد سبق في الموقع بيان تحريم أخذ أموال الكفار غدرا . فينظر جواب السؤال رقم (50716) ، وسبق ـ أيضا ـ بيان وجوب رد الأموال المسروقة إلى أصحابها الكفار .
ينظر جواب السؤال رقم (47086) ، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم ( 7545 )
( 14367 ) ( 31234 ) من هذا الموقع .
ثانيا :
من وقع في شيء من الظلم أو الغصب ، أو أكل أموال الناس بالباطل ، ثم تاب من ذلك : وجب عليه أن يرد لكل ذي حق حقه في الدنيا .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) . رواه البخاري (2269) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ـ أيضا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) . رواه مسلم (4679) .
لكن إن جهل من في يده المال صاحب الحق ، أو جهل مكانه ، أو عجز عن إيصال حقه إليه ، فإنه يتصدق به عنه ؛ فإن وصل إليه خيِّر صاحب المال بين أن يكون أجر الصدقة له ، أو يرد إليه ماله ، ويكون أجرها للمتصدق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَإِنْ عَرَفَ أَنَّ فِي مَالِهِ حَلَالًا مَمْلُوكًا ، وَحَرَامًا لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ ، وَعَرَفَ قَدْرَهُ : فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الْمَالَ عَلَى قَدْرِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَيَأْخُذُ قَدْرَ الْحَلَالِ ، وَأَمَّا الْحَرَامُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ عِنْدِهِ أَمْوَالٌ مَجْهُولَةُ الْمُلَّاكِ : مِنْ غصوب وَعَوَارِيَّ وَوَدَائِعَ ؛ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : إنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا . وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْمَالَ نِصْفَيْنِ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ نِصْفَهُ وَالنِّصْفُ الثَّانِي يُوَصِّلُهُ إلَى أَصْحَابِهِ إنْ عَرَفَهُمْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ . وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ : فَيُعْطَى مِنْهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ وَيُقْرَى مِنْهُ الضَّيْفُ وَيُعَانُ فِيهِ الْحَاجُّ وَيُنْفَقُ فِي الْجِهَادِ وَفِي أَبْوَابِ الْبِرِّ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَمَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَجْهُولَةِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَنْ تَابَ مِنْ الْحَرَامِ وَبِيَدِهِ الْحَرَامُ لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ " انتهى . "مجموع الفتاوى" (30/328) .
وينظر أيضا : "مجموع الفتاوى" (28/592) وما بعدها .
وقال الشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله :
" ( وَيَتَّجِهُ حَمْلُهُ ) - أَيْ : لُزُومِ التَّصَدُّقِ - ( مَعَ عَدَمِ حَاكِمٍ أَهْلٍ ) لِلِائْتِمَانِ كَحُكَّامِنَا الْآنَ ، فَإِنْ وُجِدَ حَاكِمٌ أَهْلٌ وَهُوَ أَنْدَرُ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا ، بَلْ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ دَفْعِهَا إلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهَا وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ بِهَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ؛ ( بِشَرْطِ ضَمَانِهَا ) لِأَرْبَابِهَا إذَا عَرَفَهُمْ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ الضَّمَانِ إضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ ... ، وَكَذَا حُكْمُ مَسْرُوقٍ وَنَحْوِهِ ؛ ( كَلُقَطَةٍ ) حَرُمَ الْتِقَاطُهَا ، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا ، فَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ " انتهى .
"مطالب أولي النهى" (4/66) .
والله أعلم .