العلاقة بين أمي وزوجتي ساءت جداً ، لدرجة أن والدتي لا تريد أن ترى وجه زوجتي ، وتريدنا أن نعيش بمفردنا ، ولكني غير مستعد لترك والدتي ، لأنني الابن الأكبر في الأسرة ، كذلك لا أريد أن أغضبها ، فهل أطلق زوجتي ؟
الحمد لله.
أولا :
ليس من شك في أن الأم هي أعظم الناس حقا على ولدها ، وأن برها من أوجب الواجبات عليه ، قال الله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) الإسراء/23 .
وإذا كان الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى غيرهما ، ممن يجب على العبد الإحسان إليه ، كما قال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) النساء/36 ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء كل ذي حق حقه . [ ينظر : صحيح البخاري (1968) ] ؛ فإن حق الوالدين ، ولا سيما الأم مقدم على حقوق الناس جميعا :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ) .
رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
لكن ذلك لا يعني ألا يعطي الإنسان الآخرين حقوقهم ، بل الواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه ، كما سبق ذكره ، ويوازن بين هذه الحقوق ، ويجمع بين ما يقدر عليه من المصالح ، ويحسن سياسة بيته وشأنه .
ثانيا :
هذه المشكلات بين الزوجة والأم مكرورة ، وقديمة أيضا ؛ لكن العاقل الموفق من يحسن النظر في أموره ، ويقلل منها قدر المستطاع ، ويغلق أبوابها ، ولأجل ذلك كان من حقوق الزوجة على زوجها أن يفردها بسكن مستقل .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (25/109) :
" الْجَمْعُ بَيْنَ الأْبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ لاَ يَجُوزُ ( وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنَ الأقَارِبِ ) ، وَلِذَلِكَ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الاِمْتِنَاعُ عَنِ السُّكْنَى مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لأَِنَّ الاِنْفِرَادَ بِمَسْكَنٍ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا حَقُّهَا ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ .
وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ ، وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْوَالِدَيْنِ ، وَبِجَوَازِ ذَلِكَ مَعَ الزَّوْجَةِ الْوَضِيعَةِ ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالْوَالِدَيْنِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا . " . انتهى .
ولا شك أن الصورة التي ذكرتها للعلاقة بين أمك وزوجتك تدل على أن اجتماعهما في منزل واحد غير ممكن ، وأن التفريق بينهما واجب ، لا سيما وأن الأم هي التي طلبت ذلك ، فيتوجب عليك المسارعة به ، وليس من الرأي في شيء أن تفكر في الحل الآخر ، وهو طلاق زوجتك ، فإن هذا ليس حلا للمشكلة ، لا سيما إذا كان لك منها ولد ؛ ثم إن المشكلة قابلة لأن تتكرر مع أي زوجة أخرى تسكنها مع أمك في بيت واحد .
فالرأي الذي ينبغي عليك أن تسارع فيه ، قدر طاقتك ، هو أن تبحث عن سكن مستقل تجعل فيه زوجتك ، وإذا كنت راغبا في أن تكون قريبا من أمك ، دائم الصلة بها والرعاية لها : فاجتهد في أن يكون مسكنك الجديد أقرب ما يكون من مسكن أمك ، بحيث يمكنك الدخول عليها كلما جئت أو رحت . وبهذه الطريقة تستطيع الجمع بين الإحسان إلى أمك ، وإراحتها من عناء المشكلات مع زوجتك ، ودوام الصلة بها ، مع القيام بما يجب لزوجك عليك من العشرة بالمعروف ، وإسكانها حيث ينبغي لها .
وينظر : جواب السؤال رقم (97810) .
نسأل الله أن يلهمك رشدك ، ويصلح لك شأنك .
والله أعلم .