الحمد لله.
لا حرج في الاعتمار عن الميت ، وعن الحي العاجز عن أداء العمرة بنفسه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ، وفاعل ذلك محسن مأجور إن شاء الله .
ولا حرج في دفع مال لمن يقوم بذلك ، لكن ينبغي اختيار من يُظن به الخير والصلاح ومعرفة الأحكام ، على أن يقوم الوكيل بأداء ما وكل فيه بنفسه ، أو يخبر موكله بأنه سيوكل شخصا آخر ، لأن موكله قد يرضى بإنابته في ذلك ، لثقته به ، لكن لو علم أن شخصا آخر هو الذي سيقوم بالعمرة لم يقبل .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن وكل شخصاً ليحج عن أمه ، ثم علم بعد ذلك أن هذا
الشخص قد أخذ وكالات عديدة، فما الحكم حينئذ أفتونا مغفوراً لكم؟
فأجاب فضيلته بقوله : الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازماً في تصرفه ، وأن لا يكل
الأمر إلا إلى شخص يطمئن إليه في دينه ، بأن يكون أميناً عالماً بما يحتاج إليه في
مثل ذلك العمل الذي وكل إليه ، فإذا أردت أن تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى أو
أمك ، فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه وفي دينه ؛ وذلك لأن كثيراً من
الناس عندهم جهل عظيم في أحكام الحج ، فلا يؤدون الحج على ما ينبغي ، وإن كانوا هم
في أنفسهم أمناء ، لكنهم يظنون أن هذا هو الواجب عليهم ، وهم يخطئون كثيراً ، ومثل
هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابة في الحج لقصور علمهم ، ومن الناس من يكون عنده علم
لكن ليس لديه أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله أو يفعله في مناسك الحج ، لضعف أمانته
ودينه ، ومثل هذا أيضا لا ينبغي أن يعطى ، أو أن يوكل إليه أداء الحج .
فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار أفضل من يجده علماً وأمانة ، حتى يؤدي ما طلب منه على الوجه الأكمل.
وهذا الرجل الذي ذكر السائل أنه أعطاه ليحج عن والدته ، وسمع فيما بعد أنه أخذ حجات
أخرى لغيره ، ينظر : فلعل هذا الرجل أخذ هذه الحجات عن غيره ، وأقام أناساً يؤدونها
وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه ، ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل ؟ أي
هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاص متعددين في الحج ، أو في العمرة ، ثم لا يباشر
هو بنفسه ذلك ، بل يكلها إلى ناس آخرين؟
فنقول في الجواب : إن ذلك لا يجوز ولا يحل ، وهو من أكل المال بالباطل ، فإن كثيراً
من الناس يتاجرون في هذا الأمر ، تجدهم يأخذون عدة حجج ، وعدة عمر ، على أنهم هم
الذين سيقومون بها ، ولكنه يكلها إلى فلان وفلان من الناس بأقل مما أخذ هو ، فيكسب
أموالاً بالباطل ، ويعطي أشخاصا قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمر ، فعلى
المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه وفي نفسه ، لأنه إذا أخذ مثل هذا المال فقد
أخذه بغير حق ، ولأنه إذا اؤتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج أو العمرة
فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره ، لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه
الحجج أو هذه العمر " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/ 154).
وما تقوم به من التوسط بين النائب والمعتمَر عنه ، وما تبذله من مالك في الحوالة ، كل ذلك من الأعمال الصالحة التي يرجى لك فيها الأجر والثواب إن شاء الله ، لأن الدال على الخير كفاعله .
والله أعلم .