الحمد لله.
إذا وضعت المرأة الحناء على رأسها وبقي جرمها ، فهل يلزمها إزالتها ، أو تمسح عليها ، في ذلك خلاف بين الفقهاء ، فذهب بعضهم إلى جواز المسح عليها ، كما هو مذهب الحنفية ، وعللوا ذلك بأن الماء ينفذ من الحناء ، أو أن هذا من باب الضرورة .
قال في "الدر المختار" (1/ 154) : " ( ولا يمنع ) الطهارة ( وَنِيم ) أي خرء ذباب وبرغوث لم يصل الماء تحته ( وحناء ) ولو جرمه ، به يفتى " انتهى .
وذهب الجمهور إلى أنه يلزم إزالة الحناء ؛ لأنه يمنع وصول الماء للرأس ، وهو مذهب المالكية والحنابلة .
جاء في "المدونة" (1/ 124) : " قال : وقد قال لي مالك : في الحناء تكون على الرأس فأراد صاحبه أن يمسح على رأسه في الوضوء قال : لا يجزئه أن يمسح على الحناء حتى ينزعها فيمسح على شعره " انتهى .
وقال في "كشاف القناع" (1/ 99) : " ( وإن خضبه ) أي رأسه ( بما يستره لم يجز المسح عليه ) كما لو مسح على خرقة فوق رأسه , وتقدم أن شرط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم المسح على الحناء الموضوع على الشعر أثناء الوضوء ؛ فاختار القول الأول في جوابه ، وعلله بأن المسح مبني على التخفيف .
قال رحمه الله :
" لا بأس به ، ولو كان يمنع وصول الماء ، لكن في الغسل من الجنابة والحيض لا بد من
إزالته ، ويدل على أن الأول لا بأس به : أن النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه في
الحج كان قد لبَّد رأسه ، أي: وضع عليه لبد من صمغ أو عسل أو ما أشبه ذلك ؛ اتقاء
الشعث ، كما قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له: (يا رسول الله! ألا تقصر -أي: من
العمرة- وتحل كما حل الناس؟ قال: إني قد سقت هديي ولبّدت رأسي فلا أحل حتى أنحر)
فالحناء على الرأس ولو منع وصول الماء لا بأس به في الوضوء ، لكن في الغسل من
الجنابة أو الحيض لا بد من إزالته " انتهى من "اللقاء الشهري" (68/14).
وهذا هو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله أيضا . فقد سئل :
" امرأة توضأت ثم وضعت الحناء فوق رأسها - حنت شعر رأسها - وقامت لصلاتها ، هل تصح صلاتها أم لا ؟ وإذا انتقض وضوؤها فهل تمسح فوق الحناء ، أو تغسل شعرها ثم تتوضأ الوضوء الأصغر للصلاة ؟
" وضع الحناء على الرأس لا ينقض الطهارة , إذا كانت قد فرغت منها , ولا حرج من أن تمسح على رأسها , وإن كان عليه حناء أو نحوه من الضمادات التي تحتاجها المرأة , فلا بأس بالمسح عليه في الطهارة الصغرى .
أما الطهارة الكبرى : فلا بد أن تفيض عليه الماء ثلاث مرات , ولا يكفي المسح ; لما ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله إني أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة والحيض؟ قال : لا ، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليه الماء فتطهرين . وإن نقضته في الحيض وغسلته كان أفضل ; لأحاديث أخرى وردت في ذلك . " .
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/161) .
ولو احتاط المرء لعبادته ، وأمكنه أن يزيل الحناء من على شعره ، أو بعض شعره ، عند الوضوء ، خروجا من خلاف من أوجب ذلك من العلماء : لكان أحسن له .
إلا إن كان الجرم خفيفا بحيث يصل الماء إلى الشعر ، فهذا لا حرج فيه .
والله أعلم .