كتب مع بعض الدعاة، وقالوا لي أشياء جعلتني في حيرة ، فأعلموني إن كانو على صواب أم لا . على سبيل المثال : قالوا لي : إني إذا رفعتُ الأذى من الطريق فسوف أنال الحور العين في الجنة ، وكذلك لو قمت بالتصفير فإني أنادي على الشيطان ، بل قالوا لابن أخي إنه إذا لم يرتد غطاء الرأس الإسلامي فسوف يجلس الشيطان على رأسه . فهل هذه الأشياء صحيحة ؟ .
الحمد لله.
ما ذكره لك هؤلاء الدعاة من أنك " إذا رفعتَ الأذى من الطريق فسوف تنال الحور العين في الجنة " ، قد اعتمدوا فيه على حديث غير صحيح ، وهو ما روي عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( يا علي ! أعط الحور العين مهورهن : إماطة الأذى عن الطريق ، وإخراج القمامة من المسجد ، فذلك مهر الحور العين ) .
رواه الديلمى في " مسند الفردوس " ( 5 / 328 ) من غير إسناد ، والكتاب من مظنة الأحاديث الضعيفة .
وانظر تخريجه في جواب السؤال رقم ( 102757 ) .
ولإماطة الأذى عن الطريق فضائل تابتة ، تغني عن مثل ذلك :
أ. فإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ) .
رواه البخاري ( 9 ) ومسلم ( 35 ) - واللفظ له - .
ب. وإماطة الأذى عن الطريق موجب لشكر الله تعالى لفاعله ، ولمغفرة ذنوبه :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَه ) .
رواه البخاري ( 624 ) ومسلم ( 1914 ) .
ج. وإماطة الأذى عن الطريق موجب لدخول الجنة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ ) .
رواه مسلم ( 1914 ) .
وفي رواية :
( مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ) .
د. وإماطة الأذى عن الطريق من العمل النافع :
عن أَبي بَرْزَةَ الأسلمي قَالَ : قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ قَالَ : ( اعْزِلْ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ) .
رواه مسلم ( 1915 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق ، سواء كان الأذى شجرة تؤذي ، أو غصن شوك ، أو حجراً يعثر به ، أو قذراً ، أو جيفة ، وغير ذلك .
وإماطة الأذى عن الطريق من " شُعَب الإيمان " – كما سبق في الحديث الصحيح - وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضرراً .
قوله صلى الله عليه و سلم ( رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق ) أي : يتنعم في الجنة بملاذِّها بسبب قطعه الشجرة .
" شرح مسلم " ( 16 / 171 ) .
ثالثاً:
أما ما ذكر من أنك " لو قمتَ بالتصفير فإنك تنادي على الشيطان " ؛ فهذا لا أصل له في كتاب ولا سنَّة .
وفي التصفير خلاف بين العلماء فمن قائل بالتحريم ، ومن قائل بالجواز ، والقول الثالث : الكراهة ، وهو ما سبق اختياره في الموقع ، كما في جواب السؤال رقم ( 115403 ) ، فلينظر .
رابعاً:
وأما ما ذكره لابن أخيك من " أنه إذا لم يرتد غطاء الرأس الإسلامي فسوف يجلس الشيطان على رأسه " ، فقول باطل ، ولا أصل له في الشرع .
وتغطية الرأس ترجع لعرف الناس ، فإن تعارف أهل البلد على أن الرجال يغطون رؤوسهم ، كان ترك ذلك من خوارم المروءة التي يذم بها الرجل ويعاب ، وكان ستره في الصلاة حينئذ ـ كستره خارج الصلاة أيضا ـ أفضل ؛ لأنه يكون من تمام الزينة .
وأما عدم تغطية الرأس بمجرده ، فليس إثم .
وإن تعارف الرجال في مكان ما ، أو زمان ما ، فيما بينهم على كشف رؤوسهم ، فلا حرج ـ حينئذ ـ في كشفه ، والأمر في ذلك واسع ، إن شاء الله .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
إذا طبَّقنا هذه المسألة على قوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) الأعراف/ 31 : تبيَّن لنا أن ستر الرأس أفضل في قوم يعتبر ستر الرأس عندهم من أخذ الزِّينة ، أما إذا كُنَّا في قوم لا يُعتبر ذلك من أخذ الزينة : فإنَّا لا نقول : إنَّ ستره أفضل ، ولا إنَّ كشفه أفضل ، وقد ثبت عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام : " أنه كان يُصلِّي في العِمامة " ، والعِمَامة ساترة للرَّأس .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 2 / 166 ) .
وليس ثمة نص نبوي يوجب ، بل ولا يستحب ، تغطية الرأس ، لا في الصلاة ولا في غيرها من الأحوال .
قال علماء اللجنة الدائمة :
ستر رأس الرجل في الصلاة ليس واجباً ، والأمر في ذلك واسع .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 170 ) .
وقالوا :
لا يجب تغطية الرأس على الرجل في الصلاة ، ولا في غيرها ، ويجوز الائتمام بمن لا يغطي رأسه ؛ لأن الرأس بالنسبة للرجل ليس بعورة .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 171 ، 172 ) .
وقالوا :
تغطية الرجل رأسه في الصلاة ليست من سننها .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 172 ) .
وكل الفتاوى السابقة مذيلة بأسماء العلماء :
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
وإننا نوصي إخواننا الدعاة، وغيرهم من المشتغلين بالدعوة إلى الله تعالى ، أن يلتزموا ذكر الصحيح من الأحاديث ، وأن يجتنبوا الضعيف والموضوع – وما أكثره عندهم - ، وقد يسَّر الله من سبل العلم ما يسهل عليهم ذلك ، ويقطع عذر المعتذر ؛ فقد ازدادت العناية بتحقيق الكتب ، وبيان حال أحاديثها ، وصار الاتصال بأهل العلم أسهل من ذي قبل ، وها هي الأقراص العلمية ، والمواقع الموثوقة ، ولا يحتاج الأمر إلا إلى إرادة صادقة ، وشعور بأهمية ذلك والحاجة إليه .
والله أعلم