الحمد لله.
أولا : السنة أن يُشمت العاطس (بأن يقال له : يرحمك الله) إذا عطس وحمد الله تعالى ، فإن لم يحمد الله تعالى فإنه لا يشمت .
روى البخاري (6221) – واللفظ له - ومسلم (2991) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ :
(هَذَا حَمِدَ اللَّهَ ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ) .
وروى مسلم (2992) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ ) .
قال النووي رحمه الله :
" هَذَا تَصْرِيح بِالْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ إِذَا حَمِدَ الْعَاطِس , وَتَصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَدهُ "
انتهى .
ثانيا :
إذا عطس غير المسلم فحمد الله فإنه لا يقال له يرحمك الله ، وإنما يقال له : يهديكم الله ويصلح بالكم ؛ لما رواه أبو داود (5038) والترمذي (2739) وصححه ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ، فَيَقُولُ : ( يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال الحافظ رحمه الله في الفتح" (10/604) :
" حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الْأَمْر بِالتَّشْمِيتِ , لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلَاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلَا مَانِع مِنْ ذَلِكَ , بِخِلَافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الْكُفَّار " انتهى .
وقال أبو الطيب رحمه الله في عون المعبود (13/257) :
" أَيْ : وَلَا يَقُول لَهُمْ يَرْحَمكُمْ اللَّه ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَة مُخْتَصَّة بِالْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا يُصْلِح بَالَهُمْ مِنْ الْهِدَايَة وَالتَّوْفِيق لِلْإِيمَانِ " انتهى .
ثالثا :
إذا عطس المسلم فحمد الله : فسواء شمته أحد أو لم يشمته ، وسواء كان وحده أو كان في جماعة من الناس ، فليس من المشروع أن يشمت نفسه ، وإنما يحمد الله فقط .
وتشميت نفسه بعد الحمد ؛ لم ترد به السنة ، ولا جاء عن أحد من الصحابة ـ فيما نعلم ـ .
وقد روى البخاري ومسلم (1718) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة : ( الرَّدّ ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود , وَمَعْنَاهُ : فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ . وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات . وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " انتهى .
وغاية ما ورد في ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/501) : حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَن حُصَيْنٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : " إذَا عَطَسَ وَهُوَ وَحْدَهُ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، فَإِنَّهُ يُشَمِّتُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ خَلْقِ اللهِ " .
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : " إذَا عَطَسْت وَأَنْتَ وَحْدَك فَرُدَّ عَلَى مَنْ مَعَك - يَعْنِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ – " .
وهذا وحده لا يكفي للقول بمشروعية تشميت الرجل نفسه إذا عطس ، وقد روى الطبراني في المعجم الكبير (1647) عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما) .
قال : فقال صلى الله عليه و سلم : (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم) . وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .
فلو كان هذا مشروعا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، وخاصة أنه مما تكثر الحاجة إلى معرفة حكمه .
والله أعلم