حديث : لا يُسْأل الرجل فيمَ ضرب زوجته ؟

20-03-2010

السؤال 146600

اعتنقت الإسلام منذ عام ، وأنا في طور تحصيل العلم الشرعي لديننا الإسلامي ، وأنا متزوجة منذ عام والحمد لله ، سؤالي يتعلق بضرب الرجل لزوجته ، وكلما كان هناك سؤال يراودني يزعزع من إيماني فإني أسأل الله أن يهديني سواء السبيل ، والحمد لله ، فإني في النهاية أجد إجابات قاطعة لسؤالي ، مما يزيد من إيماني ، وأنا آمل وأدعو الله أن يهديني للإجابة المثلى لهذا السؤال أيضا إن شاء الله . عندما كنت أقوم بدراسة بعض الأحاديث الخاصة بالزواج أتيت على هذا الحديث : سنن أبي داود ، الكتاب الحادي عشر : النكاح ، رقم 2142: روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته ) فهل بوسعكم ـ رجاء ـ إطلاعي على ما يُقصد بهذا الحديث ، وما الموقف الذي قيل من أجله ، ولمن قيل ، ومتى ، فقد تعلمت أنه لابد من فهم خلفية الحديث ، وألا نخرج منه باستنتاجات بناء على المعنى الظاهري له . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم أنتم وجميع أفراد فريقكم خيري الدنيا والآخرة ، وأن يحفظكم جميعا من جميع شرور الدارين آمين . وجزاكم الله خيرا لوقتكم ، ولمشاركتكم إيانا معرفتكم القيمة .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

 

لا يسعنا – وقد قرأنا الحكمة في سؤالك – إلا أن نثني على حسن السؤال، وحسن التفكر، وحسن التدبر، فقد لمسنا كثيرا من الاستعداد لتقبل العلم ومدارسة المسائل، ولا نعجب أن هداك الله عز وجل لهذا الدين القويم، فهو الدين الوسط، وهو الحنيفية السمحة التي تؤمن بالله وجميع رسله، ولا تفرق بين أحد من رسله، وأنت تملكين ـ إن شاء الله ـ من التعقل ما يجعلك قادرة على تمييز الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، ونرجو منك الاستمرار في طلب العلم الشرعي، وزيادة الهمة في تحصيله، فهو النور الذي يهدي به الله عز وجل إلى الصراط المستقيم.

ثانيا:

وأما بخصوص الحديث الوارد في السؤال، فهو حديث مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ )

رواه أبو داود (رقم/2147)، والنسائي في " السنن الكبرى " (5/372)، وابن ماجه (رقم/1987) وأحمد في " المسند " (1/275) وغيرهم، جميعهم من طريق:

داود بن عبد الله الأودي، عن عبد الرحمن المسلي، عن الأشعث بن قيس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه به.

قلنا: وهذا إسناد ضعيف بسبب عبد الرحمن المسلي، لم يوثقه أحد من أهل العلم، بل نقل ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (6/304) عن أبي الفتح الأزدي إيراده له في " الضعفاء " وقوله عنه: فيه نظر. وأورد له هذا الحديث.

ولذلك حكم علماء الحديث على هذا الحديث بالضعف والرد، منهم:

قال ابن القطان رحمه الله:

" لا يصح " انتهى.

" بيان الوهم والإيهام " (5/524)

وقال الذهبي رحمه الله:

" فيه عبد الرحمن المسلي: لا يعرف " انتهى.

" ميزان الاعتدال " (2/602)

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:

" إسناده ضعيف " انتهى.

" مسند أحمد " (1/77)

وكذا ضعفه محققو مسند أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة، والشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7/98)

ثالثا:

على فرض صحة الحديث، فتفسيره عند أهل العلم تفسير مقبول وصحيح، حاصله أنه لا ينبغي للناس أن يتدخلوا فيما لا يعنيهم، فإذا عرف شخص بوقوع خلاف بين رجل وزوجته، وعرف أنه خلاف شديد أدى إلى ضرب الزوج زوجته: فلا يجوز له أن يفتش عن أسرار البيوت، ولا يتطاول ليطلع على خباياهم، فذلك من سوء الأدب، وقلة الذوق، إلا إذا كان ذلك الشخص من أهل الإصلاح، وغلب على ظنه أنه يمكنه تقديم المساعدة والمشورة لتجاوز النزاع، فله حينئذ أن يسأل عن المشكلة وأسبابها، بعد قبول الطرفين ورضاهما بتحكيمه وتدخله.

وأقوال الفقهاء وشراح الحديث تدل على هذا المعنى:

يقول ابن قدامة رحمه الله في بيان تعليل هذا الأثر:

" لأنه قد يضربها لأجل الفراش – أي: امتناعها عن الجماع -، فإن أخبر بذلك استحيا، وإن أخبر بغيره كذب " انتهى.

" المغني " (8/163)

ويقول المناوي رحمه الله:

 

" أي: لا يُسأل عن السبب الذي ضربها لأجله لأنه يؤدي لهتك سترها، فقد يكون لما يستقبح، كجماع، والنهي شامل لأبويها " انتهى.

 

" فيض القدير " (6/515)

 

ويقول الإمام النووي رحمه الله:

 

" فصل: يكره أن يُسأل الرجل: فيم ضرب امرأته من غير حاجة: قد روينا في أول هذا الكتاب في " حفظ اللسان " والأحاديث الصحيحة في السكوت عما لا تظهر فيه المصلحة، وذكرنا الحديث الصحيح: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) " انتهى.

 

" الأذكار " (ص/374)

 

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

 

" معني الحديث: إن الرجل المتقي الله عز وجل الذي انتهي به الأمر إلى آخر المراتب الثلاث التي أشار الله إليها في قوله: ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34، فالضرب آخر المراتب، فقد يضرب الرجل زوجته على أمر يستحيا من ذكره، فإذا علم تقوى الرجل لله عز وجل، وضرب امرأته، فإنه لا يُسأل، هذا إن صح الحديث، ولكن الحديث ضعيف.

 

أما مَن كان سيئ العشرة، فهذا يُسأل فيم ضرب امرأته ؛ لأنه ليس عنده من تقوى الله تعالى ما يردعه عن ظلمها وضربها، حيث لا تستحق أن تضرب " انتهى.

 

" شرح رياض الصالحين " (1/512)

 

وكما ذكرت ـ أيتها السائلة الكريمة ـ: إن معنى الحديث قد لا يكون كما يفهم منه لأول مرة، خاصة إذا لم يكن عندنا العلم الكافي بباقي النصوص في الباب ؛ فالشريعة أبعد ما تكون عن أن تسمح للرجل بضرب امرأته، بالحق أو بالباطل، ثم تنزله منزلة من لا يسأل عن ذلك، لتمام حقه وسلطانه، كما قد يظنه من لم يفهم المراد بالحديث، على فرض صحته، وإنما الضرب ـ بحدوده الشرعية ـ هو علاج لحالة طارئة، تتمرد فيها المرأة على مقتضى الحياة الزوجية، بحيث تصبح عشرتها لزوجها نوعا من الحالة المرضية التي تحتاج إلى علاج، وهنا يأتي دوره، كما أن للجراحة المؤلمة دورها، حين يحتاج إليها المريض:

عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ) !!

فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ [أي: تمرد النساء على أزواجهن] ؟!

فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ.

فَأَطَافَ [ يعني: ذهبن إلى هناك ] بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ ؟!

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ ؛ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ )

رواه أبو داود (2146) وصححه الألباني.

فانظري: كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج بإذنه في الضرب، مشكلة اجتماعية في البيوت، كما عالج بنهيه عنه مشكلة أخرى !!

وقد سبق في موقعنا بيان أن ضرب الزوجة الذي أذنت به الشريعة هو الضرب غير المؤثر، الذي يكون بالسواك، فلا يحدث أي ألم، بل ألمه معنوي شعوري فقط..

يرجى مراجعة جواب السؤال رقم:(41199).

أختنا الكريمة، ليس من الإنصاف لدين الله في شيء أن تعرضي إيمانك لما يزعزعه، أو للمخاطرة بدينك، كلما ورد عليك شيء مشكل، أو سمعت بشبهة عن الدين، بل احمدي الله جل جلاله أن هداك للإيمان، وانظري في حق الله عليك، وفيما أكرمك به من دينك الجديد، وسوف تجدين ـ مع الوقت، وازديادك من العلم ـ جوابا لما تحتاجين إليه في دينك.

وإذا افترضنا أنه غاب عن علمك أمر أو أمران، مسألة أو مسألتان، أو أكثر من ذلك أو أقل، فليس من الإنصاف لدينك أن تجازفي به، أو تعرضيه لما يزعزعه، لأجل شيء يسير غاب عن فهمك.

نسأل الله أن يشرح صدرك، ويثبت قلبك، ويزيدك إيمانا ويقينا وهدى.

والله أعلم.

الأحاديث الصحيحة العشرة بين الزوجين
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب