الحمد لله.
أولاً:
صور ذوات الأرواح المرسومة باليد ، أو المنحوتة على خشب أو نحاس ، أو مشكَّلة بجص : لا يُشك في حرمتها ، وهي داخلة في نصوص الوعيد للمصورين .
وينظر تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة : ( 34839 ) و ( 10668 ) و ( 39806 ) .
ثانياً:
وما سبق ذِكره من صناعة التماثيل بما يدوم استمراره وتطول إقامته هو محل اتفاق بين العلماء ، وأما صناعة التماثيل بما لا يدوم استمراره ولا تطول إقامته ، كمثل المصنوع من عجين ، أو قشر بطيخ ، أو حلاوة : فلم نجد لهذه المسألة ذِكراً في كتب الفقه إلا عند المالكية والشافعية ، ووجدنا فيها خلافاً يسيراً عند المالكية ، والأكثر على حرمتها ، وأما الشافعية فقد حرَّموا صناعتها وجوَّز بعضهم بيعها ! وردَّ الرملي – من كبار فقهائهم – على من قال بالجواز .
ومثله يقال في التمثال المصنوع من الثلج الوارد ذِكره في السؤال .
قال عليش المالكي – رحمه الله - :
ويحرم تصوير ما استوفى الشروط المتقدمة إن كان يدوم ، كخشب وطين وسكر وعجين إجماعاً ، وكذا إن كان لا يدوم كقشر بطيخ ، خلافاً لأصبغ .
" مِنَح الجليل شرح مختصر خليل " ( 3 / 529 ) .
وقال أبو العباس أحمد الصاوي – رحمه الله - :
وفيما لا يطول استمراره خلاف ، والصحيح : حرمته .
" حاشية الصاوي على الشرح الصغير " ( 2 / 501 ) .
وقال أحمد النفراوي – رحمه الله - :
وأما لو جُعل التمثال صورة مستقلة لها ظل ، كما لو صنع صورة سبُع أو كلب أو آدمي ، ووضعها على الحائط أو على الأرض : فإن ذلك حرام , حيث كانت الصورة كاملة ، سواء صنعت مما تطول إقامته كحجر أو خشب ، أو مما لا تطول إقامته , كما صنع صورة السبُع أو الفرس من عجين أو حلاوة مما لا تطول إقامته .
" الفواكه الدواني " ( 2 / 315 ) .
وفي " حاشية قليوبي " ( 3 / 298 ) – من كتب الشافعية - :
قوله : ( ويحرم تصوير حيوان ) ولو على هيئة لا يعيش معها ما لا نظير له - كما مرَّ - أو من طين ، أو من حلاوة , ويصح بيعها ، ولا يحرم التفرج عليها ، ولا استدامتها ، قاله شيخنا الرملي ، وخالفه شيخنا الزيادي في الأخيرين فحرمهما .
انتهى
والذي يظهر رجحانه أنه لا فرق في تحريم صناعة التماثيل بين ما يطول بقاؤه ، وما لا يطول ، وقد روي عن المشركين في الجاهلية أنهم كانوا يصنعون تماثيل يعبدونها من دون الله من التمر ! ثم إذا جاع أكلها ! مما يؤكد أنه لا فرق في التسمية والحكم بين ما صنع من تماثيل من مواد يطول بقاؤها ، ومواد لا يطول بقاؤها .
وبمثل الراجح عند المالكية والشافعية قال علماؤنا المعاصرون :
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
إن الصور التي تحرُم هي الصورة التي مثل التمثال ، يعني : يصنع إنسان من العجين ، أو من الجبس ، أو من الجص ، أو غيرها من المواد ، يصنع شيئاً على صورة إنسان ، أو حيوان : فهذا حرام .
وأما الأشجار وشبهها : فإنه لا بأس به على القول الراجح الذي عليه جمهور العلماء .
" شرح رياض الصالحين " ( 6 / 207 ) .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله - :
وقد تقرر في اللغة أنَّ الصنم صورة منحوتة ، يعني : ما نُحِت على شكل صورة ، وإذا كان كذلك : فإن الصنم إما أن يكون حجَراً ، وإما أن يكون خشباً ، وإما أن يكون عجيناً ، وإما أن يكون تمراً إلى آخر ذلك .
" شرح كشف الشبهات " ( شريط رقم 8 ) .
ثالثاً:
وأما قول الأخ السائل " فالذي أعلمه أنه ليس هناك مخلوق يشبه رجل الثلج " : فإن هذا وإن كان صحيحاً في نفسه ، لكنه لا يغيِّر من الحكم الشرعي ؛ فليس ثمة رجل من نحاس ، ولا من خشب ، ولا من جبس ، ولا من تمر ، والمقصود أنهم يصنعون من هذه المواد صورة لذات روح ، فيضعون له الأنف والعينين والرأس ، وهذا هو سبب التحريم ، ولو أنهم صنعوا من تلك المواد ما لا روح فيه لما توجه لهم إنكار ، أو يمكنهم صناعة ما فيه روح مع عدم صناعة رأس له ، ومع ذلك الوضوح في الحكم فقد نصَّ العلماء على تحريم صناعة التماثيل للصور الخيالية للإنسان والحيوان ! إلا إن كان ذلك لعبة للأطفال .
ففي " الموسوعة الفقهية " ( 12 / 111 ) :
ينص الشافعية على أن الصور الخيالية للإنسان أو الحيوان داخلة في التحريم . قالوا : يحرم ، كإنسان له جناح ، أو بقر له منقار ، مما ليس له نظير في المخلوقات ، وكلام صاحب " روض الطالب " يوحي بوجود قول بالجواز .
وواضح أن هذا في غير اللعب التي للأطفال ، وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها : أنه كان في لعبها فرس له جناحان ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك لما رآها حتى بدت نواجذه .
انتهى
بل لو قيل إنه أشد تحريماً مما له نظير، كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم ، لما كان بعيداً.
قال الماوردي الشافعي – رحمه الله - :
ولا فرق في تحريم صور ذوات الأرواح من صور الآدميين والبهائم ، ولا فرق بين ما كان مستحسناً منها أو مستقبحاً ، أو ما كان منها عظيماً أو مستصغراً ، إذا كانت صور حيوان مشاهد .
أما صورة حيوان لم يُشاهد مثله حكم الصور ، مثل صورة طائر له وجه إنسان ، أو صورة إنسان له جناح طير : ففي تحريمه وجهان : أحدهما : يحرم ، بل يكون أشد تحريماً ؛ لأنه قد أبدع في خلق الله تعالى ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يؤمر بالنفخ فيه وليس بنافخ فيه أبداً ) .
والوجه الثاني - وهو قول أبي حامد المروزي - : لا تحرم ؛ لأنه يكون بالتزاويق الكاذبة أشبه منه بالصور الحيوانية .
فعلى الوجه الأول : يحرم عليه أن يصوِّر وجه إنسان بلا بدن ، وعلى الوجه الثاني : لا يحرم.
" الحاوي الكبير " ( 9 / 565 ) .
والخلاصة :
أنه لا يجوز صناعة تمثال من الثلج ولو على سبيل المرح واللعب ، وقد جعل الله للناس سعة في صناعة ما يشاؤون ، مما لا روح فيه ، كالأشجار والسفن والثمار والبنايات ونحوها .
والله أعلم