الحمد لله.
أولا :
يلزم المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب ، ومن ذلك الوجه ، على القول الراجح ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (11774) .
ويشترط في الحجاب أن يكون ساترا فضفاضا لا يشف ولا يصف حجم الأعضاء ولا يكون زينة في نفسه .
وحجاب الموضة إن كان زينة في نفسه يلفت النظر إلى من تلبسه ، أو كان غير ساتر ، فلا تعدّ لابسته متمثلة لأمر الله تعالى بلبس الحجاب .
ثانيا :
لباس الشهرة مذموم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
(مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا
مِثْلَهُ) زَادَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ : (ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ) رواه أبو
داوود (4029) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ ) رواه ابن ماجه (3606) وحسنه الألباني .
قال السندي رحمه الله في حاشته على سنن ابن ماجه : " قَوْله ( ثَوْب شُهْرَة ) أَيْ
مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا يَقْصِد بِهِ الِاشْتِهَار بَيْن النَّاس سَوَاء كَانَ
الثَّوْب نَفِيسًا يَلْبَسهُ تَفَاخُرًا بِالدُّنْيَا وَزِينَتهَا أَوْ خَسِيسًا
يَلْبَسهُ إِظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَالرِّيَاء ".
وقال الشوكاني رحمه الله : " قوله : ( من لبس ثوب شهرة ) قال ابن الأثير : الشهرة ظهور الشيء , والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ويختال عليهم والتكبر ... والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة وليس هذا الحديث مختصا بنفيس الثياب , بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبا يخالف ملبوس الناس من الفقراء , ليراه الناس فيتعجبوا من لبسه ويعتقدوه [يعني : يعتقدون فيه أنه من أولياء الله الزهاد في الدنيا] , قاله ابن رسلان . وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها والموافق لملبوس الناس والمخالف ؛ لأن التحريم يدور مع الاشتهار , والمعتبر القصد وإن لم يطابق الواقع " انتهى من "نيل الأوطار" (2/ 131).
ومن فعل ما أوجب الله عليه كان مطيعا مثابا ، ولا يضره أن يشتهر بين الناس حينئذ ، وهذا ما يحدث غالبا في أزمنة الغربة ، وفي بلاد الكفار ، فلو أن قوما اجتمعوا على حلق اللحية وصار هذا غالبا عليهم ، لم يجز القول بمنع إعفاء اللحية لئلا تكون شهرة ، ولو غلب على قوم تعري النساء ، لم يجز القول بمنع اللباس الساتر لعلة الشهرة ، ولاشك أن حجاب المسلمة - ولو كان حجاب الموضة - يعد في بعض البلدان أمرا شاذا غريبا ، لغلبة العري والتفسخ .
وإلى أزمنة قريبة كان لبس النقاب مستغربا في بعض البلدان ، وكانت من تلبسه يشار إليها بالبنان ، وربما لوحقت ببعض الأذى ، ثم شاع وانتشر . ولا ريب أن من فعلت ذلك أول الأمر تستحق الثناء والمدح ؛ لصبرها وثباتها وسنّها للسنة للحسنة ، ولا يصح أن يقال إنها لابسة ثوب شهرة .
والحاصل : أن لباس الشهرة الممنوع ، إنما يتحقق مع قصد الشهرة ، أو مع لبس النادر الغريب مع وجود ما يغني عنه من اللباس ، فإذا لم يوجد ما يغني عنه ، وكان الستر واجبا ، فلا مناص من فعله وإن أدى لشهرة صاحبه كما ذكرنا في الأمثلة السابقة .
ولهذا من كانت في مجتمع لا يعرف العباءة الكاملة التي تستر الرأس إلى القدمين ، فإنها تستغني عن ذلك بلبس الخمار على الثوب ؛ لأن الواجب هو الستر ، وقد تحقق ، فيستغنى به عما يكون شهرة .
وكون المحجبة ينظر إليها بحذر وريبة في بعض المجتمعات ، لا ينبغي أن يثنيها عن حجابها ، ولا عن تمسكها بدينها ، ولتعلم أن في ثباتها على الحجاب نشرا له ، وترغيبا فيه ، ويوشك أن يقتدي بها غيرها ، فيزول الاستغراب والحذر .
فنصيحتنا للزوجة الكريمة أن تدع حجاب الموضة ، وأن تلبس حجابا ساترا يغطي رأسها إلى نصف البدن على الأقل ، ثم تستر سائر بدنها بالثياب التي جرت العادة بلبسها ، مما لا زينة فيه ولا فتنة ، وهو حجاب شائع في المجتمعات الأوربية وغيرها .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (113425) .
والله أعلم .