قام بعملية تغيير الجنس ثم ندم ويريد التوبة

23-04-2010

السؤال 146881

أشعر بالخجل من إخباركم بأني طوال حياتى كنت أتصرف على أنى فتاة ، وكنت أعتقد بأني كذلك ، وعندما بلغت 9 أعوام أدركت بأني من المفترض أن أكون فتى ، وحاولت أن أكون كذلك ، لكن لم يحببني أي من الفتيان ، وعندما بلغت 14 عام لم أبلغ بشكل كامل ، وكان أقراني يسخرون منى ، ولهذا فقد غضبت كثيرا ، وسألت الله أن يجعلني فتى طبيعيا ، أو يجعلنى فتاة طبيعية ، وقد دعوت بهذا الدعاء لأني كنت أشعر بأني في الأصل فتى عادي ، بالرغم من اعتقادي بأني فتاة . وعندما ذهبت للجامعة ازدادت الأمور سوءا ، لأن البعض كانوا يعتقدون بأني أنثى ، ولم يكن لدي أصدقاء حقيقيون وشعرت بأني مسخ. وقد اعتدت الذهاب إلى المصلى ، وطلب العون من الله ، ووصلت إلى يوم لم أعد أحتمل فيه ما أنا عليه ، وأحالوني إلى طبيب نفسي بعد تعرضي لانهيار عصبي ، وتم إعطائى أدوية مضادة للاكتئاب ، وقد اعتقد الطبيب النفسي نفسه أني أنثى ، وقال : إنه لا يعتقد بأني مريض عقليا ، ثم أرسلوني إلى "مختص" نصحني بتغيير جنسي ، وقال بأني من المحتمل أن أكون خنثى . وقد أصبحت أنثى في العمل ، ونجحت فجأة ، ولم يعد أحد يسخر مني ، ولهذا فقد اعتقدت بأن الله رضي عني ، ولذا أجريت جراحة تغيير الجنس !! وبعدها بعام أصبت بإعياء شديد ، وأرجعت أسرتي ذلك لأمور كثيرة : أولا : إلى عدم ارتدائي للحجاب ، ولهذا فقد ارتديته ، ثم أرجعته إلى السحر والحسد ، ولهذا فقد قمت بالرقية ثم أرجعته ـ أخيرا ـ إلى أن الله قد غضب علي لتغييري لخلقه ، وقد استعنت بمتخصص في الخنوثة ، وقال بأن حالتي يمكن علاجها بجرعات كبيرة من هرمونات الذكورة ، وقد أخذتها ، ولأول مرة في حياتي أصبح عقلي ذكوريا تماما ، وتحسرت على إجرائي للجراحة اللعينة التي أزالت أعضائى الذكرية ! وفجأة ، ومن كل قلبي ، رغبت في أن أكون رجلا عاديا ، وأن أتزوج ، وغضبت غضبا شديدا من الطبيب الأول الذي قال بأنه لا يمكن علاجي لكي أكون رجلا عاديا ، وأوصى بتغيير جنسي . وفورا تركت وظيفتي (لأني كنت أعمل بوصفي أنثى) ، وبدأت في حضور الجمعة في جماعة ، ودعاء الله أن يمدني بالعون في الثلث الأخير من الليل ، وشغلت نفسي بالذكر والأعمال الصالحة ، آملا أن يغفر الله لي خطئي ، وأن أسترجع صحتي ، وقد مر على إجرائي للعملية الجراحية الآن 4 أعوام ، ولا أزال مريضا ، ووالداي يشعران بالقلق الشديد علي ، وأنا لا أفهم : لماذا لم يستجب الله لدعائى ، وأنا بمجرد أن شفيت من مرضي العقلي ـ باعتقاد بأني أنثى ـ تركت كل شيء ابتغاء لمرضاة الله ؛ فلماذا لم يشفني ؟ فهل من يرتكب إثما أثناء مرضه العقلي يعاقب على ما فعل ، وهو لم يكن في كامل قواه العقلية ؟ وأنا أشمئز من نفسي لتفكيري يوما بأني فتاة ، وأنا أبتلى في إيماني ابتلاء شديدا ، لأن مرضي يشتد ، وأصاب باكتئاب شديد ، وأخشى كثيرا من أن أضل ، ولا أستطيع توطين نفسي على حالتي . أرجو أن ترشدوني إلى كيفية التوبة الخالصة ، وشفاء الله لى . وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

نسأل الله أن يمن عليك بالتوبة النصوح ، وأن يغفر ذنبك ، ويستر عيبك ، ويكشف كربك ، ويعافيك مما أنت فيه من البلاء .

واعلم يا عبد الله أن أمر التوبة النصوح سهل ميسور لكل عبد ؛ فقط عليك أن تلجأ إلى الله تعالى ، معترفا بذنبك وما جنته يداك ، نادما ، مستغفرا ، ذليلا بين يدي مولاك ، تدعوه أن يغفر لك ذنبك ، ويتجاوز لك عن خطيئتك ، وأن يبدلها لك حسنات ، ويعصمك منها في أيامك القادمة .

ولا شك أنك تعجلت بعض الشيء في سماع كلام الطبيب الذي طلب منك أن تغير جنسك ، وتزيل أعضاء الذكورة ، وكان عليك أن تتأنى جيدا قبل إقدامك على هذه الخطوة .

ويراجع جواب السؤال رقم (138451) .

ثانيا :

وأما دعاؤك لربك ، فاعلم يا عبد الله أن الله تعالى قد وعد عباده بإجابة الدعاء ، شريطة أن يلجأ إلى الله وحده بإخلاص وانكسار ، ولا يدعو غيره معه . قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة/186 ، وقال تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60 .

ومدح نفسه تعالى بأنه وحده الذي يجيب دعوة المضطر والمحتاج الذي يلجأ إليه . قال تعالى: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62 .

واعلم أن عدم ظهور أثر هذه الدعوة عاجلا أمام عينيك ، لا يعني بالضرورة أن الله لم يتقبلها منك ، أو أن الله تعالى ساخط عليك ؛ بل ربما كان ذلك ادخارا لخير ، هو أعظم لك عند الله مما طلبت .

روى الإمام أحمد في مسنده (10479) ـ وصححه الألباني ـ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ك ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ ، لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ ؛ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ) .

قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟!

قَالَ : ( اللَّهُ أَكْثَرُ ) .

قال الشيخ أبو الحسن المباركفوري رحمه الله :

" يعني : يعجل له دعوته في الدنيا ، في أحوج أوقاته وأوفقها ، لا على أوقات تمنيه .

( وإما أن يدخرها ) أي : تلك المطلوبة ، أو مثلها ، أو أحسن منها ، أو ثوابها وبدلها ؛ يعني : يجعلها ذخيرة بأن يعطيه جزيل ثوابها في الآخرة ، إن لم يُقّدِّر وقوعَها في الدنيا .

وإما أن يدفع من البلاء النازل ، أو غيره ، في أمر دينه أو دنياه أو بدنه مثلها ؛ أي ك مثل تلك الدعوة كمية وكيفية ، إن لم يقدر له وقوعها في الدنيا " . انتهى ملخصا من " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (7/374) .

ويراجع جواب السؤال رقم (103099) ، ورقم (42935) .

ثالثا :

ما ظننته يا عبد الله ، لما وفقت في وظيفتك وعملك ، أن الله راض عنك ، ولما حصلت لك بعض المشكلات والابتلاءات ، أن الله قد غضب عليك ، ليس ظنا صحيحا ، فليست كثرة الأرزاق ، ولا التوفيق في الأعمال الدنيوية والأرزاق ، وكثرة الأولاد ، ليس شيئا من ذلك بمجرده دليلا على رضا الله سبحانه عن العبد ، وليس الحرمان من ذلك كله دليلا على سخط الله على عبده ؛ قال الله تعالى : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)

الفجر/15-17 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه جاهل ظالم ، لا علم له بالعواقب ، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول ، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه ، وأنه إذا قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ أي : ضيقه ، فصار بقدر قوته لا يفضل منه ، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله كَلا أي : ليس كل من نعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم علي ، ولا كلُّ من قدَرت عليه رزقه فهو مهان لدي ، وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق ، ابتلاء من الله وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل" .

"تفسير السعدي" (923) .

فأقبل على ربك يا عبد الله ، ولذ به ، واستعن به في شدائدك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ؛ وأحسن الظن بربك ، فهو أولى بالجميل ، سبحانه .

نسأل الله أن يكشف ما بك ، وأن يفتح لك من أبواب فضله ورحمته خيرا مما تطلب منه سبحانه .

والله أعلم .

التوبة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب