صديقي خياط ويضع الناس عنده الملابس ليخيطها ، و أحيانا يتركون ملابسهم لسنين. فكيف يفعل فيها ؛ خصوصا هو لا يذكر أصحابها ؟
الحمد لله.
ينبغي أن يشترط الخياط على زبائنه مدة معينة ، كشهرين مثلا ، أنه إذا لم يأخذوا ثيابهم خلال هذه المدة فليس مسئولا عنها ، فإذا انقضت المدة ولم يأخذوها ، فإنه يتصدق بها ، أو يبيعها ويأخذ أجرته ، ويتصدق بالباقي عن أصحابها .
وأما إذا لم يشترط : فإنه لا يحل له التصرف في الثياب إلا عند اليأس من حضور أصحابها ، فإذا مضت مدة طويلة ويئس من حضورهم ، تصدق بها ، أو باعها وتصدق بثمنها بعد أخذ أجرته .
قال الشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله :
" قال الشيخ تقي الدين : إذا كان بيد الإنسان غُصوب أو عواري أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها ; فالصواب أنه يتصدق بها عنهم , فإنّ حبْس المال دائما لمن لا يُرجى ، لا فائدة فيه , بل هو تعريض لهلاك المال واستيلاء الظلمة عليه , وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية , فدخل بيته ليأتي بالثمن ، فخرج فلم يجد البائع : فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن , ويقول : اللهم عن رب الجارية . وكذلك أفتى بعض التابعين من غل من الغنيمة وتاب بعد تفرقهم : أن يتصدق بذلك عنهم , ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم ، كمعاوية وغيره من أهل الشام.
والحاصل أن المجهول في الشريعة كالمعدوم , فإن الله سبحانه وتعالى قال : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها , ) ، وقال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) فالله إذا أمرنا بأمر كان ذلك مشروطا بالقدرة عليه , والتمكن من العمل به , فما عجزنا عن معرفته والعمل به سقط عنا . انتهى ...
( بشرط ضمانها ) لأربابها إذا عرفهم ; لأن الصدقة بدون الضمان إضاعة لمال المالك " انتهى . "مطالب أولي النهى" (4/65) ، وينظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام (29/321) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/ 404) : " يوجد خياط باكستاني بجوار محلنا، وقد سافر بدون عودة ، وكان عنده كوت (جاكيت) لرجل يدعى مسفر، وطلب منا أن نأخذ هذا الكوت ويبقى معنا حتى يأتي صاحبه ، كذلك أخذ منا قيمة التصليح ، وقال: إذا أتى صاحب الكوت فأرجو منكم أن تسلموا هذا إليه، وأن تأخذوا قيمة التصليح ، ولكن صاحب الكوت هذا لم يأت لاستلامه ، والآن مضى على وجوده مدة تقارب السنتين. ماذا أفعل به جزاكم الله عنا ألف خير؟
الجواب : إذا كان الواقع ما ذكر ، فيباع الكوت وتأخذوا أجرة الخياطة ، ويتصدق بباقي قيمته على الفقراء ، بنية أن يكون ثواب الصدقة لصاحبه ، فإن جاء صاحبه بعدُ : أُخبر بالواقع ، فإن رضي فبها، وإن لم يرض أعطيتَه القيمة بعد إسقاط قيمة الخياطة ، والثواب لك إن شاء الله ، وإن قُيّم وتُصدق به على فقير فهو أكمل ، ولك أجر ما سلمته للخياط " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " مغسلة ملابس ، فيها ملابس مضى عليها أكثر من شهرين ولا يعرف أصحابها ، مع أنه من ضمن الشروط في الفاتورة أن المغسلة غير مسئولة عن الملابس التي يتركها أصحابها أكثر من شهرين ، هل لصاحب المغسلة أخذها ، إما للاستعمال أو البيع أو التصدق بها ؟ وإذا أخذها ثم طالب بها صاحبها بعد أن تصرف بها : فهل يلزم رد ثمنها أم لا ؟
فأجاب :
إذا كان مشروطاً على صاحب الثياب أنه إذا تأخر لمدة شهرين فلا حق له : فهو الذي تأخر، وإذا تمت الشهران : إما أن يتصدق بها صاحب المغسلة ، إن وجد من يقبلها ويلبسها ، أو يبيعها ويتصدق بثمنها ، لكن أرى أن ينتظر بعد الشهرين عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً ؛ لأنه ربما يكون صاحبها قد أقبل ، ولكن تعطلت سيارته أو حصل له مرض ؛ فالأفضل أن ينتظر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (215 / 11).
وقال أيضا : " إذا كان بينهما أجلٌ معين : فمتى انتهى الأجل فهو في حل أن يتصدق بها ، أو يبيعها ويتصدق بثمنها.
وأما إذا لم يكن بينهما أجل معين ؛ فلا يجوز أن يبيعها بعد شهر أو شهرين ، بل لا يبيعها ولا يتصرف فيها إلا حيث أيس من صاحبها ، فإذا أيس فهو في حل ؛ لأنه لا يمكن أن يشغل مكانه بهذه الثياب أو هذه الفرش إلى ما لا نهاية له ". "لقاء الباب المفتوح" (215 / 19) .
والله أعلم .