لدى سؤال يتعلق بـ " غزوة الهند " ، والتي يدَّعي البعض بأنها ستحدث ، ويقولون : بأنه مَن سيقتل فى هذه الغزوة سيدخل الجنة ، ويقتبسون هذا الحديث :
روى النسائي - الحديث ( 3124 ) - عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام ) .
وفي " سنن النسائي - الحديث ( 3123 ) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ ، فَإِنْ أَدْرَكْتُهَا أُنْفِقْ فِيهَا نَفْسِي وَمَالِي ، فَإِنْ أُقْتَلْ كُنْتُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ ، وَإِنْ أَرْجِعْ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ .
بداية : هل هذه الأحاديث صحيحة ؟ وإذا كانت كذلك فهل هى تشير حقّاً إلى حرب فى شبه القار ة قرب نهاية العالم ؟ .
الحمد لله.
أولاً:
أما
الحديث الأول وهو حديث ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : فهو حديث صحيح.
وقد رواه النسائي في " سننه " ( 3175 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " ،
ورواه أحمد في " مسنده " ( 37 / 81 ) وحسَّنه المحققون .
وأما الحديث الثاني وهو حديث أَبِي هُرَيْرَةَ : فهو حديث ضعيف .
وقد رواه النسائي ( 3173 ) ، وضعفه الألباني في " ضعيف النسائي " ، ورواه أحمد في "
مسنده " ( 12 / 28 ) ط الرسالة ، وضعفه محققو الطبعة.
وثمة طرق أخرى لحديث أبي هريرة كلها ضعيفة ، وثمة أحاديث أخرى في الباب لا تخلو من
مقال ، والذي ثبت وصحَّ هو حديث ثوبان .
ثانياً:
قد حصل غزو الهند ، وافتتحها المسلمون ، وحطموا أصنامها ، مراراً ، وقد ابتدأ ذلك
في عهد الوليد بن عبد الملك بقيادة القاسم بن محمد الثقفي ، وغزيت وافتتحت أيضاً في
زمان العباسيين ، وذلك بقيادة القائد المظفر " محمود بن سُبُكتِكين " رحمه الله ،
وقد فرض على نفسه غزو الهند مرة في كل عام .
قال الشيخ صدِّيق حسن خان – رحمه الله – توفي عام 1307 هـ - :
وأما الهند : ففتح في عهد " الوليد بن عبد الملك " على يد " محمد بن قاسم الثقفي "
سنة اثنتين وتسعين الهجرية ، وبلغت راياته المظلة على الفوج من حدود " السند " إلى
أقصى " قنوج " سنة خمس وتسعين .
وبعد ما عاد عاد ولاة الهند إلى أمكنتهم وبقي الحكام من الخلفاء المروانية
والعباسية ببلاد " السند " ... .
قال صاحب " المغني " : ... وقصد السلطان محمود الغزنوي أواخر المائة الرابعة غزو "
الهند " وأتى مراراً ، وغلب ، وأخذ الغنائم ، وانتزع " السند " من الحكام الذين
كانوا من قبل " القادر بالله بن المقتدر العباسي " ، ولكن السلطان " محمود " لم يقم
بالهند وكان أولاده متصرفين من " غزنين " إلى " لاهور " حتى استولى السلطان " معز
الدين سام الغوري " على " غزنين " وأتى " لاهور " وقبض على " خسروملك " ختْم الملوك
الغزنوية ، وضبط " الهند " وجعل " دهلي " دار الملك سنة تسع وثمانين وخمسمائة ، ومن
هذا التاريخ إلى آخر المائة الثانية عشر كانت ممالك الهند في يد السلاطين الإسلامية
.
" أبجد العلوم " ( 1 / 344 ، 345 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله - في حوادث سنة أربع وتسعين - :
وفيها : افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند ، وغنم أموالاً لا تعد ولا توصف .
" البداية والنهاية " ( 9 / 113 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله - في حوادث سنة ست وتسعين وثلاث مئة - :
وفيها : غزا يمين الدولة " محمود بن سُبُكْتِكين " بلاد الهند ، فافتتح مدناً
كباراً ، وأخذ أموالاً جزيلة ، وأسر بعض ملوكهم - وهو ملك " كراشي " - حين هرب لما
افتتحها ،
وكسر أصنامها.
" البداية والنهاية " ( 11 / 358 ) .
وقال أيضاً – رحمه الله - في حوادث سنة تسع وأربع مئة - :
وفيها غزا " محمود بن سبكتكين " بلاد الهند ، وتواقع هو وملك الهند ، فاقتتل الناس
قتالاً عظيماً ، ثم انجلت عن هزيمة عظيمة على الهند ، وأخذ المسلمون يقتلون فيهم
كيف
شاءوا ، وأخذوا منهم أموالاً عظيمة من الجواهر والذهب والفضة ، وأخذوا منهم مائتي
فيل ، واقتصوا أثار المنهزمين منهم ، وهدموا معامل كثيرة .
" البداية والنهاية " ( 12 / 8 ) .
وهذا الذي حصل من غزو الهند من دلائل النبوة ، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
عن وقوعه وهو من علْم الغيب الذي أوحاه الله إليه .
قال الأستاذ محمد عبد الوهاب بحيري – رحمه الله - :
فائدة : الحديث المذكور – أي : حديث
ثوبان – من أعلام النبوة فقد غزا المسلمون الهند والسند في عهد بني أمية – ثم شرع
في ذِكر أحداث غزو الهند وفتحها - .
" بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني " ( 22 / 411 ) .
وليس هناك ما يدل على أن هناك غزوا آخر للهند يكون آخر الزمان قرب القيامة أو في
أيام عيسى عليه السلام كما ذهب إليه بعض أهل العلم ، بل الظاهر أن المشار إليه في
الحديث هو هذا الذي وقع الأمر ، وحديث ثوبان ليس فيه الربط بين العصابتين ، بل كل
عصابة لها وقتها ، وكلاهما قد اشتركا في فضل واحد .
والله أعلم