الحمد لله.
سدل شعر الرأس بإرساله حول الرأس وتركه على هيئته مسترسلاً ، أو فرقه من الوسط يميناً وشمالاً ، كلاهما من الأمور الجائزة ، التي لا حرج فيها .
وفرق شعر الرأس على الجانبين هو الذي استقر عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ) . رواه البخاري (3558) ، ومسلم (2336)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يخالف شرعه ؛ تأليفاً لهم ، لأنهم لأقرب إلى الإيمان من عبدة الأوثان ، فلما أسلم غالب عباد الأوثان أحب صلى الله عليه وسلم حينئذ مخالفة أهل الكتاب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وَكَأَنَّ السِّرّ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْأَوْثَان أَبْعَد عَنْ الْإِيمَان مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَلِأَنَّ أَهْل الْكِتَاب يَتَمَسَّكُونَ بِشَرِيعَةٍ فِي الْجُمْلَة فَكَانَ يُحِبّ مُوَافَقَتهمْ لِيَتَأَلَّفهُمْ وَلَوْ أَدَّتْ مُوَافَقَتهمْ إِلَى مُخَالَفَة أَهْل الْأَوْثَان , فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْل الْأَوْثَان الَّذِينَ مَعَهُ وَاَلَّذِينَ حَوْله وَاسْتَمَرَّ أَهْل الْكِتَاب عَلَى كُفْرهمْ ، تَمَحَّضَت الْمُخَالَفَة لِأَهْلِ الْكِتَاب" انتهى من " فتح الباري" (10/361(
وقوله في الحديث : (ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ) أي ألقى شعر رأسه إلى جانبي رأسه .
قال ابن حجر رحمه الله :
"وَالْفَرْق سُنَّة لِأَنَّهُ الَّذِي اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَال ، وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بِوَحْيٍ , لِقَوْلِ الرَّاوِي فِي أَوَّل الْحَدِيث إِنَّهُ كَانَ يُحِبّ مُوَافَقَة أَهْل الْكِتَاب فِيمَا لَمْ يُؤْمَر فِيهِ بِشَيْءٍ , فَالظَّاهِر أَنَّهُ فَرَقَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّه " انتهى من " فتح الباري" (10/362)
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
"الفَرْقُ في الشعر سنَّةٌ ، وأولى من السدل ؛ لأنَّه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الفَرْقُ لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله" انتهى من "التمهيد" (6/74(
وترك النبي صلى الله عليه وسلم للسدل لا يفيد منعه وتحريمه ، بل هو جائز ، بدليل جريان عمل الصحابة على كلا الأمرين .
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله :
"وغاية ما روي عنهم : أنه كان منهم من فَرَق ، ومنهم من سدل ، فلم يعب السَّادل على الفارق ، ولا الفارق على السَّادل ... فالصحيح : أن الفَرْقَ مستحبٌّ لا واجب ، وهذا الذي اختاره مالك ، وهو قول جُلِّ أهل المذاهب " انتهى من " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (19 / 51) ، ومثله في "فتح الباري" (10 / 362)
وقال النووي : " الصَّحِيح الْمُخْتَار : جَوَاز السَّدْل وَالْفَرْق ، وَأَنَّ الْفَرْق أَفْضَل ". انتهى "شرح صحيح مسلم" (15/90) .
والله أعلم .