الحمد لله.
ثانيا : معاني المفردات
( أن جليبيباً كان امرأ يدخل على النساء ، يمر بهن ويلاعبهن ) ، المقصود بالملاعبة
هنا المحادثة ، وهو لفظ الراوي عفان بن مسلم ، أما الرواة الآخرون للسياق المطول
فقالوا : ( كان يدخل على النساء ، ويتحدث إليهن )، ولعل ذلك وقع قبل نزول آية
الحجاب .
( أيِّم ) : توفي عنها زوجها .
( نُعْم عين ) : أي : نكرمك بها كرامة ، ونسر عينك بها مسرة .
( إنيه ) : قال ابن الأثير :
" قد اختلف في ضبط هذه اللفظة اختلافاً كثيراً، فرويت بكسر الهمزة والنون وسكون
الياء وبعدها هاء ، ومعناها أنها لفظة تستعملها العرب في الإنكار ، يقول القائل :
جاء زيد ، فتقول أنت : أزيدنيه ، وأزيد إنيه ، كأنك استبعدت مجيئه " انتهى.
" النهاية " (1/78-79)
( هذا مني وأنا منه ) معناه : " المبالغة في اتحاد طريقتهما ، واتفاقهما في طاعة
الله تعالى "
كما قال النووي في " شرح مسلم " (16/26)
ثالثاً : تخريج الحديث
ورد هذا الحديث من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن كنانة بن نعيم العدوي ، عن أبي
برزة الأسلمي به .
ولكن اختلف الرواة عن حماد بن سلمة في رواية قصة الصحابي جليبيب رضي الله عنه على
وجهين :
الوجه الأول : رواية القصة باختصار ، ليس فيها قصة الخطبة والتزويج ودعاء النبي صلى
الله عليه وسلم لتلك الفتاة ، وإنما فيها خبر استشهاده في المعركة وقول النبي صلى
الله عليه وسلم له : ( هو مني وأنا منه )
رواه هكذا مختصرا أربعة من الرواة :
إسحاق بن عمر بن سليط ، كما في " صحيح مسلم " (رقم/2472).
وسليمان بن داود أبو داود الطيالسي، كما في مسنده (2/238)
وهشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي ، كما في " سنن النسائي الكبرى " (8/65)
وأحمد بن إسحاق الحضرمي ، كما في " مسند الروياني " (رقم/1300)
الوجه الثاني : رواية القصة كاملة بسياقها المذكور أعلاه مع النص على الدعاء "
اللهم صب عليها الخير صباً ، ولا تجعل عيشها كداً كداً "
رواه هكذا مطولاً :
أ- عفان بن مسلم ، كما في " مسند الإمام أحمد " (33/28)، و" شعب الإيمان " للبيهقي
(3/114)، ورواه البغوي في " شرح السنة " (14/196) من طريق عفان بالسياق المطول ولكن
ليس فيه نص الدعاء.
ب- وإبراهيم بن الحجاج السامي ، كما في " الآحاد والمثاني " لابن أبي عاصم (4/327)،
ومن طريقه ابن حبان في " صحيحه " (9/342)
ج- وأبو النعمان محمد بن الفضل عارم ، كما في " شعب الإيمان " للبيهقي (3/114)
وللقصة طريق آخر عن معمر ، يرويها عبد الرزاق في " المصنف " (6/155) ، ومن طريق عبد
الرزاق آخرون من المحدثين كالإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، والبزار ، وابن حبان ،
ولكن قال عبد الرزاق في هذه الطريق : أخبرنا معمر ، عن ثابت البناني ، عن أنس .
فجعله من حديث أنس بن مالك مباشرة ، وليس من حديث أبي برزة الأسلمي ، وسياق الحديث
قريب من سياقه المطول المثبت في بداية الجواب ، ولكن ليس فيه نص الدعاء الوارد في
السؤال .
رابعا : حكم العلماء على الحديث
أما السياق المختصر فهو في صحيح مسلم ، ولم يضعفه أحد من أهل العلم .
وأما السياق المطول – وفيه الدعاء الوارد في السؤال – فقد صححه كثير من أهل العلم
أيضاً:
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" هذا حديث صحيح " انتهى من " الاستيعاب " (1/273)
وقال البغوي رحمه الله :
" هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم عن إسحاق بن عمر بن سليط ، عن حماد بن سلمة بهذا
الإسناد " انتهى من " شرح السنة " (14/198)
وقال البيهقي رحمه الله :
" أخرج مسلم آخر هذا الحديث ، عن إسحاق بن عمر بن سليط ، عن حماد ، والجميع صحيح
على شرطه " انتهى من " شعب الإيمان " (3/114)
وقال الهيثمي رحمه الله :
" هو في الصحيح خالياً عن الخطبة والتزويج ، رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح "
انتهى من " مجمع الزوائد " (9/368)
وأما رواية معمر بن راشد عن ثابت عن أنس ، فقد حكم
عليها أهل العلم بأنها خطأ ووهم من معمر .
قال أبو زرعة :
" عن أبي برزة أصح " انتهى باختصار من " العلل " (رقم/1012)
وقال أبو نعيم رحمه الله :
" رواه ديلم بن غزوان ، عن ثابت ، عن أنس ، وهو وهم " انتهى من " معرفة الصحابة "
(2/636)
وقال الدارقطني رحمه الله :
" الصحيح عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن كنانة بن نعيم ، عن أبي برزة " انتهى من "
العلل " (12/38)
وقال ابن رجب رحمه الله :
" ومما أنكر عليه – يعني على معمر بن راشد - أنه حدث عن ثابت عن أنس عن النبي صلى
الله عليه وسلم بحديث قصة جليبيب ، وأخطأ في إسناده ، إنما رواه ثابت عن كنانة بن
نعيم عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا رواه حماد بن سلمة عن ثابت "
انتهى من " شرح علل الترمذي " (2/804) تحقيق د. همام سعيد.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" رواه معمر عن ثابت ، عن أنس ، وتابعه ديلم بن غزوان ، عن ثابت ، عن أنس .
ورواية حماد بن سلمة أصح " انتهى.
" المطالب العالية " (5/75)، رواية ديلم بن غزوان في مسند أبي يعلى (6/89) بلفظ
مختصر جداً فيه .
والخلاصة أن أهل العلم يصححون الحديث والدعاء ، فمن
دعا به اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ورجاء أن يكتب الله له الرزق الحلال
الواسع : رجي له القبول إن شاء الله تعالى .
والله أعلم .