هل يشرع الوضوء للحائض قبل نومها ؟
هل يشرع للحائض أن تتوضأ أثناء حيضها ؟ وهل يمكن قياس ذلك على وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قبل نومه وهو جنب ؟ وإذا توضأت الحائض أثناء حيضها أتكون بذلك الوضوء قد ابتدعت ؟ .
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم .
الجواب
الحمد لله.
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن ينام وهو جنب ، وحثَّ على ذلك .
فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبٌ قَالَتْ : نَعَمْ ،
وَيَتَوَضَّأُ . رواه البخاري ( 282 ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ
تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاة) رواه مسلمِ ( 305 ) .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
وقد ذهب أكثر العلماء إلى هَذهِ الأحاديث ، وقالوا : إن الجنب إذا أراد النوم غسل
ذَكره وتوضأ .
وممن أمر بذلك : علي ، وابن عمر ، وعائشة ، وشداد بنِ أوس ، وأبو سعيد الخدري ،
وابن عباس ، وَهوَ قول الحسن ، وعطاء ، وابن المبارك ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ،
وإسحاق وغيرهم مِن العلماء ، وكرهوا تركه معَ القدرة عليهِ .
ومنهم مِن قالَ : هوَ واجب ويأثم بتركه ، وَهوَ رواية عَن مالك ، واختارها ابن حبيب
مِن أصحابه ، وَهوَ قول طائفة مِن أهل الظاهر .
" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 357 ) .
والظاهر أن المرأة الجنب والرجل في هذا سواء ، لأن الأصل استواؤهما في الأحكام إلا
ما ورد الدليل بالتفرقة بينهما .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
واختلفوا : هل المرأة في ذَلِكَ كالرجل ، أم لا ؟ .
فقالت طائفة : هما سواء ، وَهوَ قول الليث ، وحكي رواية عَن أحمد ، وقد نص على
التسوية بينهما في الوضوء للأكل .
والثاني : أن الكراهة تختص بالرجل دونَ المرأة ، وَهوَ المنصوص عَن أحمد .
ولعله يستدل بأن عائشة لَم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يأمرها بالوضوء ،
وإنما أخبرت عَن وضوئه لنفسه .
" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 358 ) .
وهل الحائض كالرجل الجنب في ذلك ، فيشرع لها الوضوء عند الأكل وعند النوم ؟
والجواب : لا ، لأن حدث الحائض وهو خروج الدم مستمر ، فلا ينفعها الوضوء بتخفيف
الحدث ، بل لو اغتسلت لم ينفعها الاغتسال ، أما الجنب ، فإذا اغتسل ارتفعت جنابته ،
وإذا توضأ خفت .
لكن ... إذا انقطع دم الحائض فيصح قياسها حينئذ على الجنب فتتوضأ قبل الأكل وقبل
النوم .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقال ابن دقيق العيد : نصَّ الشافعي رحمه الله على أن ذلك ليس على الحائض ؛ لأنها
لو اغتسلت لم يرتفع حدثُها بخلاف الجنب لكن إذا انقطع دمها استحب لها ذلك .
" فتح الباري " ( 1 / 395 ) .
والذي يظهر من نصوص الشرع أن الوضوء يخفف الجنابة للرجل والمرأة .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
وقد دلت هَذهِ الأحاديث المذكورة في هَذا الباب : على أن وضوء الجنب يخفف جنابته .
" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 358 ) .
وقال النووي – رحمه الله - :
" وأصحابنا متفقون على أنه لا يُستحب الوضوء للحائض والنفساء [يعني : قبل النوم] ؛
لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما ، فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها صارت كالجنب ،
والله أعلم " انتهى .
" شرح مسلم " ( 3 / 218 ) .
والله أعلم