الحمد لله.
ثانياً:
جواباً على أسئلتك نقول :
1. لا تكونين آثمة في قولك لزوجك " إنك ظلمتنا بزواجك " إذا كان فعلاً يقع منه
الظلم تجاهك وتجاه أولاده ، كأن يبيت عند الأخرى ما ليس لها به حق ، وكأن يقصِّر في
النفقة عليكم مع القدرة ، وكأن يفرِّط في رعاية أولاده والعناية بهم ومتابعة أمور
دينهم واستقامتهم ، والواجب عليه – والحالة هذه – أن يتقي الله تعالى ربَّه وأن
يرفع الظلم عمن ظلمهم ، وأولهم نفسه حيث ظلمها بتعريضها لوعيد الله .
غير أننا ننبهك إلى أم مهم ، وهو أن الزواج بامرأة أخرى ، وثالثة ، ورابعة ليس ظلما
في حد ذاته ، لا لزوجته الأولى ، ولا لأولاده منها ؛ فمتى كان مؤديّاً ما افترض
الله عليه من العدل بينك وبين الأخرى في النفقة والمبيت والسكنى ، وكان قائماً على
أولاده بالعناية والرعاية والمتابعة : فإنه لا يكون واقعاً في الظلم . ومن كان ضبط
كلامك المتعلق بذلك مهمتك أنت ، حتى لا تقعي في ظلمه والعدوان عليه ، في حين أنك
تظنين أنه هو الظالم لك !
2. الواقع أنه ليس هناك كبير فائدة الآن في بحث مسألة القدر، وزواجه من الأخرى ؛
فكل مسلم يعلم أنه ما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بقضاء الله وقدره ، لكن ذلك لا
يعني أننا غير مسؤولين عن أفعالنا ، خيرها وشرها ، لكن النظر المجدي الآن هو كيف
نتصرف مع هذا الأمر الواقع .
3. لا يجوز لك أن تطلبي من زوجك الذهاب يوماً أو يومين فقط في الأسبوع لزوجته
الأخرى ، وأنت بذلك تقعين في الظلم لنفسك وتسببينه له ، فكما كفل الله تعالى لك
حقوقك ، فكذلك الأمر بخصوص الزوجة الأخرى ، ولا فرق ، والواجب على الزوج أن يقسم
أيام الأسبوع لكل زوجة بالتساوي وهو العدل الذي أمره الله تعالى به ، ولا مانع من
الاتفاق على أيام مخصوصة يكون فيها عند أي واحدة منكما ، ولا مانع أن تتنازل واحدة
منكما عن حقها في بعض أيامها ، لكنَّ ذلك مشروط بأن يكون عن طيبِ نفسٍ منها ، لا
بالإكراه ، ولا بإخجال الطرف الآخر وإحراجه . وينظر جواب السؤال رقم : (
20455 ) .
4. لا يجوز لك الدعاء على الزوجة الأخرى بعدم التوفيق ؛ فهو دعاء بإثم لا يقبله
الله ، ويُخشى من رجوع أثره السيء عليكِ ، فاحذري يا أمة الله من ظلم العباد
والعدوان عليهم ، لكن إن رأيتِ منها شرّاً وسوءًا ، فلك أن تدعي الله تعالى أن
يكفَّ شرَّها وأذاها عنكِ وعن أولادك ، وليس لك الدعاء بالمطلق أن يصرفها الله عنك
وأن لا يوفقها ، وأنتِ لم تري منها ظلماً ولا سوءًا ، وأنتِ لا تعلمين الخير أين
يكون ، فقد كان في زواج زوجك منها توقف عن ارتكابه لآثام ومعاصٍ متعددة ، وهذا خير
له ولها ، وقد ترين منها خيراً لك ولأولادك فيما يأتي من قادم الأيام ، كأن تحتاجي
لوقوف أحد معك لمساعدتك في علاج أو ولادة ، أو يحتاج أولادك لمن يرعاهم بغيابك عنهم
، وغير ذلك كثير مما نراه ونسمعه من حال كثير من الأسر التي عدَّد فيها ربُّ الأسرة
فتزوج أكثر من واحدة .
ونرجو منك النظر في جواب السؤال رقم (
71152 ) ففيه فوائد في هذه
المسألة .
5. لا ننصحك باتخاذ ذلك القرار الذي تودين فيه التفرغ لأولادك دون أن تكوني زوجة
لزوجك ؛ لعدة أمور :
أ. أن هذا منافٍ للفطرة التي فطر الله عليها النساء من وجود شهوة في نفسها ، ولا
تستطيع المرأة تصريفها إلا مع زوجها .
ب. أن هذا منافٍ للعشرة الحسنة التي أمرك الله تعالى بها تجاه زوجك .
ج. نرى تناقضاً في مواقفكِ عليك مراجعة نفسك لأجلها ، فحين كان زوجك يرتكب المحرمات
في العلاقات قبل الزواج مع تلك المرأة لثلاث سنوات لم نرَ موقفاً منك سوى النصح
والتخويف ، والآن عندما فعل الشيء الصواب الحلال نرى موقفك الهجر والترك له ! وهذا
حال كثير من النساء اليوم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، تصبر الواحدة منهن على
علاقات زوجها المحرمة ، ولا تصبر على زواجه في حلال الله . والمأمول منك أن تعيدي
النظر في ذلك ، لتعلمي أن الواجب هو العكس من ذلك .
د. ثم إنه لا يُدرى ما يكون من حال زواج زوجك الثاني ، فقد تشوبه شوائب ولا يُكتب
له الاستمرار ، فيكون بُعدك عن زوجك تلك السنوات فيه صعوبة في الإصلاح بعدها .
هـ. ليس هناك تناقض بين تفرغك للآخرة وقيامك على شئون أولادك ، وبين بقاؤك زوجة لها
كامل الحقوق وتعطي كامل الواجبات ، بل إن غياب زوجك عنك عند زوجته الثانية يدع لك
الفرصة الكبيرة للتفرغ لشئون نفسك وطاعتك وطلبك للعلم والتفرغ لأولادك ولبيتك ، فلا
تفتحي على الشيطان باباً ينفذ من خلاله إلى قلبك وعقلك فيفسدهما عليك .
و. إن اتخاذ هذا القرار منك من شأنه أن يؤثر سلباً على تربية أولادك – ذكوراً
وإناثاً – ويسبب لهم آثاراً سيئة مما سيرونه من كثرة فقد أبيهم ، وسيؤثر قرارك عليك
أنت أيضاً لأنه سيجعلك تتحملين مسئولية أكبر من ذي قبل تجاه أولادك .
فالذي نؤكد عليه : عدم اتخاذ هذا القرار ، وأن تبقي زوجة صالحة ، تؤدين واجباتك
الزوجية ، وتعاشرين زوجك بالمعروف .
ثالثاً:
أما الحل الذي تقترحينه فهو جائز على الصحيح ويسمَّى " الصلح " ، وهو خير من الطلاق
– ولا شك – وقد أشرنا له في بعض أجوبتنا فانظري أجوبة الأسئلة (
91899 ) و (
12509 ) و (
36818 ) – وخير منه أن يكون
منكِ هبة لأيامك للزوجة الأخرى ، والفرق بين ما تقترحينه وبين ما نقترحه لك أنه في
حال الهبة يمكنك قطعها وعدم الاستمرار بها ، وأما في حال اختيارك للصلح طريقاً فإنه
لن يمكنك التراجع عنه ، وهذا هو الفرق بين " الهبة " و " الصلح " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
قوله " فإن رجعت قسم لها مستقبلاً " يعني : بعد أن وهبت القَسْم له ، أو لزوجةٍ
أخرى فإن لها أن ترجع ، ويقسم لها في المستقبل ، ولا يقضي ما مضى ، وهذا فائدة قوله
" مستقبلاً " .
فإن قال قائل : أليست الهبة تلزم بالقبض ؟ .
قلنا : بلى ، لكنهم قالوا : هنا ما حصل القبض ؛ لأن الأيام تتجدد يوماً بعد يوم ،
ولهذا قلنا : إنه يقسم لها مستقبلاً ولا ترجع فيما مضى ، لأن الذي فات قد قُبض ،
والهبة بعد قبضها لا رجوع فيها ، أما ما يستقبل فإنه لم يأتِ بعد فلها أن ترجع فيه
.
وهذا التعليل لما قاله المؤلف صحيح ، لكن ينبغي أن يكون هذا مشروطاً بما إذا لم يكن
هناك صلح ، فإن كان هناك صلح : فينبغي أن لا تملك الرجوع ؛ لقوله تعالى ( وَإِنِ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ) النساء: 128 ، والصلح لازم ،
وكيف الصلح ؟ كأن تشعر من هذا الرجل أنه سيطلقها وخافت ، فقالت له : أنا أتفق معك
على أن أجعل يومي لفلانة ، وتبقيني في حِبالك ، فوافق على هذا الصلح ، فصارت
المسألة معاقدة ، فإذا كانت معاقدة : فإنه يجب أن تبقى وأن تلزم ، وإلا فلا فائدة
من الصلح ، وهذا الذي اختاره ابن القيم رحمه الله .
انتهى من" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 12 / 436 ، 437 ) .
لكنا نعود فنذكرك بأن الذي نختاره لك ، ونصحك به : أن
تبقى الأمور على ما هي عليه ، وتمشي الحياة طبيعية بينكما : ( وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة /216 .
نسأل الله تعالى أن يهديك لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق ، وأن يثبتك على دينه ،
وأن ييسر لك الخير حيث كان ، وأن يجمع بينك وبين زوجك وأولادك على خير .
والله أعلم