الحمد لله.
وأما الصيغة الواردة في السؤال فلم نجد فيها محذورا
شرعيي حتى نقول بمنع الدعاء بها ، بل المعاني التي تشتمل عليها معان حسنة طيبة ،
فيها اعتراف بالفقر إلى الله ، والحاجة إلى قربه وصلته وفضله ومعونته كي نتقرب إليه
سبحانه ، فعبادتنا وطاعتنا إنما ننشئها برحمة الله ، فيمن عز وجل بسببها علينا
بالمنزلة الرفيعة .
فقول الداعي : ( يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك ) نداء لله عز وجل بواحد من صفاته
وأفعاله ، فهو سبحانه يصل بفضله وعطائه ، ورحمته التي سبقت غضبه : من انقطع في
طريقه إلى ربه بشيء من المعاصي ، أو التقصير والتفريط ، فيجبر كسره ، ويستر عيبه ،
ويغفر ذنبه ، وفي هذا إشارة إلى الافتقار إلى رحمة الله ، وأن العبد لا يستحق شيئا
على ربه ، لأنه ـ بعمله ـ منقطع ، إلا أن يصله الله .
فيكون معنى ( أوصِلنا إليك ) يعني : قربنا إليك بالإنعام علينا بالعبودية الحقة
الخالصة لوجهك الكريم ، وقربنا إليك بنيل رضوانك ومحبتك ومغفرتك .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" صلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ، ورحمته إياهم ، وعطفه بإحسانه ونعمه
، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى ، وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته " انتهى من " شرح مسلم
" (16/112-113)
وأما قوله : ( ولا تقطعنا بالأغيار عنك ) فالمقصود بـ " الأغيار " كل ما سوى الله
عز وجل من المخلوقات العاجزة ، وهكذا ينبغي أن يكون هم الساعي إلى مقام الإحسان ،
أن ينشغل القلب بالله عن كل ما سواه ، ولا يكون عبدا إلا لمولاه عز وجل ، أما إذا
انشغلت القلوب بالدنيا فلن يكتمل فيها حب الله تعالى ، إذ هما ضدان لا يجتمعان : حب
الدنيا ، والعبودية الخالصة لله سبحانه .
قال ابن القيم رحمه الله :
" القلوب إذا فسدت فِطَرُها بالأغيار لم تصلح لحظيرة القدس " انتهى من " طريق
الهجرتين وباب السعادتين " (ص/144)
فالحاصل أنه لا حرج على من دعا بهذه الكلمات ، لكن لا
تتخذ وردا دائما ، ودعاء رابتا في الصلوات وغيرها ، كما هو شأن الثابت من الأدعية
والأذكار .
ونشكر لك غيرتك على السنة ، ولكن لا نرى التمييز بين أهل السنة وغيرهم بمثل هذه
الأمور الاجتهادية المحتملة ، فقد يكون ذلك سببا للغفلة عن الفوارق الحقيقية
الكبيرة .
والله أعلم .