حكم تكرار التأمين ثلاثا بعد قراءة الفاتحة
أقول " آمين " بصوت عال مرة واحدة في نهاية سورة الفاتحة في الصلاة ، ولكن – في مكان ما – يقولون : " آمين " بصوت عال ثلاث مرات في نهاية سورة الفاتحة في الصلاة ، ما هو الدليل من السنة النبوية لقولهم ثلاث مرات " آمين " ؟
الجواب
الحمد لله.
لم نجد في الأدلة الشرعية الصحيحة ما يدل على مشروعية التأمين ثلاث مرات في صلاة
الجماعة ، وإنما ورد في ذلك حديث ضعيف لا يثبت عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال :
( رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ،
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ : آمِينَ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/22) قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة
، حدثني أبي ، ثنا سعد بن الصلت ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الجبار بن
وائل ، عن أبيه ، به .
والصواب أنه لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على استحباب تثليث التأمين ، وذلك من
أوجه عدة :
أولا :
أن الحديث لا يثبت عن وائل بن حجر رضي الله عنه ، فيه علل عدة :
1- عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه وائل بن حجر ، كذا قال البخاري ويحيى بن
معين وابن حبان والدارقطني وعامة النقاد . انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب "
(6/105)
2- تفرد الأعمش برواية هذا اللفظ عن أبي إسحاق السبيعي ، في حين أن كلا من زهير
وأبي الأحوص وغيرهما قد رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق ، وليس فيه اللفظ محل الإشكال
: ( ثلاث مرات )، ينظر " المسند الجامع " (15/681) بشار عواد وآخرون.
3- ثم إن سعد بن الصلت لم نجد له توثيقا ولا تجريحا سوى ما قاله الإمام الذهبي رحمه
الله : " هو صالح الحديث ، وما علمت لأحد فيه جرحا " انتهى من " سير أعلام النبلاء
" (9/318)، غير أن هذه الكلمة غير كافية في التوثيق ؛ لأنها عارية عن ذكر دليل
التوثيق ، هل هو كلام النقاد الذين عاصروه واختبروه ، أم هو استقراء أحاديثه ، وإن
كان الثاني فماذا يصنع بالحديث الذي بين يدينا في هذه المسألة ، أليس فيها تفرد
بحكم لم يرد مثله في السنة الصحيحة !
4- هذا فضلا عن أن حديث التأمين عن وائل بن حجر رضي الله عنه رواه عدة من تلاميذه ،
من أشهرهم حجر بن عنبس في " مسند أحمد "، وسنن أبي داود (932)، وسنن الترمذي (248)،
ولم يذكر أحد منهم هذا اللفظ محل الإشكال .
ثانيا :
ثم على فرض صحة الإسناد فإن معناه محتمل ، فقد قال الحافظ رحمه الله :
" الظاهر أن قوله : ( ثلاث مرات ) يعني أنه رآه في ثلاث مرات ، في ثلاث صلوات ، لا
أنه ثلّث التأمين " انتهى نقلا من " سبل الهدى والرشاد " للصالحي (8/120)، ولم أقف
على هذا التوجيه من كلام ابن حجر في كتبه .
ثالثا :
لم يقل أحد من فقهاء المذاهب الأربعة باستحباب تثليث التأمين ، ولم نجد من ينص على
استحبابه سوى ابن حجر الهيتمي في كتابه " الإيعاب " حيث يقول رحمه الله – معلقا على
حديث وائل بن حجر السابق - :
" يؤخذ منه أنه يندب تكرير آمين ثلاثا حتى في الصلاة , ولم أر أحدا صرح بذلك "
انتهى نقلا من " حاشية نهاية المحتاج " (1/489)
ولم يوافقه على ذلك محققو فقهاء الشافعية ، ولم يذكره غيره من المتقدمين والمتأخرين
، فيما وقفنا عليه ، بل خالفوه ونصوا على أن المعتمد إفراد التأمين .
يقول الشيخ علي الشبراملسي رحمه الله :
" مجرد أخذه من الحديث لا يقتضي أن الشافعي يقول به ، لجواز أنه اطلع عليه وظهر له
فيه ما يمنع من الأخذ به , وقوله : ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) ليس على إطلاقه "
انتهى من حاشية " نهاية المحتاج " (1/489)
وانظر جواب السؤال رقم : (9063)
والله أعلم .