الحمد لله.
ثانياً:
أما اللغة العربية فيكفي لمعرفة منزلتها العالية أنها لغة القرآن الكريم ، وأنها
لغة نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي من الدِّين ، ومعرفتها فرض واجب إما
على الأعيان أو على الكفاية ، ولا يمكن لأحدٍ أن يفتي في دين الله تعالى وهو لا
يُحسن العربية ، وهذا كله يدل على منزلة اللغة العربية وأهميتها في ديننا .
قال ابن حزم – رحمه الله - : " وأما النحو واللغة : ففرض على الكفاية أيضاً كما
قدمنا ؛ لأن الله يقول ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُم ) إبراهيم/ 4 ، وأنزل القرآن على نبيِّه عليه السلام بلسان عربي
مبين ، فمن لم يعلم النحو واللغة : فلم يعلم اللسان الذي به بيَّن الله لنا ديننا
وخاطبنا [ به ] ، ومن لم يعلم ذلك : فلن يعلم دينه ، ومن لم يعلَم دينه : ففرض عليه
أن يتعلمه ، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة ولا بد منه على الكفاية كما قدمنا ،
ولو سقط علم النحو واللغة : لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولو سقط : لسقط الإسلام .
فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك وليفهم بهما كلام الله تعالى
وكلام نبيه وليفهِّمه غيرَه : فهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية لا يجب التقصير عنها
لأحد ، وأما مَن وَسم اسمَه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو واللغة : فحرام عليه
أن يفتي في دين الله بكلمة ، وحرام على المسلمين أن يستفتوه ؛ لأنه لا علم له
باللسان الذي خاطبَنا الله تعالى به ، وإذا لم يعلمه : فحرام عليه أن يفتي بما لا
يعلم ." انتهى من " رسائل ابن حزم " ( 3 / 162 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " فإن نفس اللغة العربية من الدِّين ،
ومعرفتها فرض واجب ؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية
، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو
واجب على الكفاية .
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد
قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أما بعد فتفقهوا في السنَّة ،
وتفقهوا في العربية ، وأعربوا القرآن فإنه عربي .
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : تعلَّموا العربية فإنها من دينكم ،
وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم .
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه
؛ لأن الدِّين فيه فقه أقوال وأعمال ، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله ،
وفقه السنَّة هو الطريق إلى فقه أعماله " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص
207 ) .
وأما حكم والدك على العرب بأنهم سيئون وفاسدون : فهذا ظلم يحاسبه عليه ربُّه يوم يلقاه ، ولو فُرض هذا فلا دخل لهذا بمنزلة اللغة وأهميتها ، ولم يمنع كون العرب يعبدون الأصنام ويشركون بالله تعالى ويشربون الخمر أن ينزل القرآن بلسان عربيٍّ مبين ، وها هم الغرب فيهم السيء والقاتل والمغتصب والمحتل ومع ذلك فهم يحافظون على لغتهم ويقدسونها ، ولا نظن والدك يُنكر عليهم هذا ، ولو رُبطت اللغة بأفعال بعض أهلها لصارت لغة الإشارة هي المتعينة ليخاطب الناس بعضهم بعضاً بها ، وما تعلم أحد لغة لأحد ! .
والحاصل :
أن تعلم اللغة العربية واجب شرعي لمن أراد أن يتعلم دينه ، ويتفقه فيه ، ثم هي واجب
أخلاقي لمن أراد أن يتعلم ما عند العرب من الدين والعلم ، قبل أن يحكم عليهم .
وأما حال أهل هذه اللغة ، من الضعف ، أو السوء ، فهذا لا علاقة له بتعلم اللغة ،
فضلا عن أن ذلك أمر عام في بني البشر .
والله أعلم