وقع في ضائقة مالية بسبب تراجع البيع وقلة الأرباح فهل يقترض بالربا ؟
وقعت في ضائقة مادية كبيرة ، ومضطر أن آخذ قرضاً من بنك ربوي ، فهل يجوز لي ذلك - مع العلم بأن المبلغ أود أن أسدد به ديناً ترتب علي نتيجة تراجع عملية البيع في السيارات ، ونقص نسبة الربح بالسيارات ، وأريد أن أحافظ على سمعتي ومصداقيتي مع الناس الذين أتعامل معهم من التجار ، أو الممولين لي ، والذين أتعامل معهم ، سواء بالشراء ، أو التمويل حسب الشريعة الإسلامية ، لكن الدَّيْن تراكم عليَّ نتيجة ما ذكرته ، بالإضافة لارتفاع المصاريف ، والإيجارات ، ومطالبة صاحب المعرض الذي أستأجره بخلو جديد مني ، حتى أبقى بالمحل ، بالإضافة إلى رفع الإيجار 90 % ، بحجة انتهاء العقد القديم بيني وبينه - ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
الربا من كبائر الذنوب ، وقد توعَّد الله تعالى المرابين بالعقوبة الشديدة في
الآخرة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ،
والربا مُمحق للبركة ، مولد للألم والحسرة .
وانظر جوابي السؤالين : ( 22339
) و ( 45910 ) .
ثانياً:
من قواعد الشريعة المطهَّرة أن " الضرورات تبيح المحظورات " ، ولا يجوز الحكم على
الحال بأنها ضرورة إلا من قبَل أهل العلم المتمكنين ، أو يكون الأمر واضحا جلياً لا
لبس فيه ، كأكل الميتة خشية الموت ، ولكن ما نراه الآن هو رفع درجة " الكماليات "
إلى " حاجيات " ، ورفع درجة " الحاجيات " إلى " ضرورات " من قبل عامة الناس ،
وأعانهم عليه بعض المتساهلين في الأحكام الشرعية ، وإلا فأين الضرورة في شراء بيت
يتملكه صاحبه وهو يسكن بيتاً بالإيجار ؟ وألا يمكن أن ينسحب هذا على من يستأجر
محلاًّ تجاريّاً فيُفتى له بالاقتراض بالربا حتى يتملك ذلك المحل بدلا من الاستمرار
في دفع الإيجار ؟ وألا يمكن أن ينسحب هذا على قرضٍ ربوي يؤخذ لفتح مشروع بدلاً من
العمل عند الآخرين ؟ وهكذا في سلسلة تعديات على شرع الله باسم " الضرورة " ! .
وما قرأناه من حالك – أخي السائل – لا يرتقي إلى درجة الضرورة التي تبيح لك
الاقتراض بالربا ، فليس في حالك هلاك نفس ، أو ذهاب عرض – لا قدَّر الله - ، أو سجن
، أو تعذيب ، حتى يكون ذلك من باب الضرورات ، كما أنك لم تذكر محاولاتك للحصول على
المال عن طريق " التورق " أو " السَّلَم " أو " القرض الحسن " ، بل ما ذكرته يتعلق
بشخصك ومكانتك وسمعتك عند التجار ، وهذا لا يرقى لكونه ضرورة تأخذ بسببه الربا ،
وترتكب لمحرَّم هو من كبائر الذنوب .
وما تذكره من كساد في السوق ، أو رفع للإيجارات ، أو قلة نسبة الأرباح : هو حالة
عامة – غالباً – تصيب الكثير من الناس ، أو تصيب المجتمع بأسره ، ولا يمكن أن يفتى
لكل متضرر من هؤلاء بإباحة الربا ، ويكفي ما نراه من تكالب الناس على أكل الربا
تعديّاً منهم على شرع الله تعالى ، ولم يبق إلا أنت وأمثالك ممن يسوؤهم هذا الواقع
، وينزهون أنفسهم عن اقتراف تلك الكبيرة ، ويُطعمون أهليهم المال الحلال ، فاستمر
على ما أنت عليه من الورع والبُعد عن اقتراف كبيرة الربا ، واسلك سبيل التقوى ،
وابحث عن طرق مباحة تحصل فيها مالاً حلالاً ، وقد يكون الله تعالى قد قدَّر لك
خيراً عظيماً بتركك لتلك المحلات التي رُفعت أجرتها ، أو حتى بتغيير طبيعة تجارتك ،
أو قد يكون قدِّر لك الخير إن صبرتَ على حالك ، ولم تعصِ ربَّك تعالى ، ويكفي أنك
تلقى الله تعالى سالماً من الآثام والمعاصي ، ترجو ثواب الله على ذلك .
وانظر جواب السؤال رقم ( 94823
) لمعرفة ضابط الضرورة التي تبيح التعامل بالربا .
ونسأل الله تعالى أن يكفَّ يدك عن اقتراف الحرام ، وأن يرزقك رزقاً حسناً مبارَكاً
فيه .
والله أعلم