الحمد لله.
وإذا جهلت قدر المال المسروق ، فإنه
يرد ما يغلب على ظنه أنه يبرأ به ، فيقدر المبلغ تقديرا ، ويحتاط لنفسه حتى يغلب
على ظنه أن ذمته قد برأت .
فإن طال عليه الزمان ، كما ورد في السؤال ، وشق عليه التحري : أخرج نصف ما بيده من
المال ، خاصة إذا كان يغلب على ظنه أن الأمر قريب من ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ
الْمَالَ نِصْفَيْنِ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ نِصْفَهُ وَالنِّصْفُ الثَّانِي
يُوَصِّلُهُ إلَى أَصْحَابِهِ إنْ عَرَفَهُمْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ "انتهى من
"مجموع الفتاوى" (30/328).
وما عجز عن رده الآن ، فهو دين عليه ، لا تبرأ ذمته إلا بدفعه ، والواجب عليه حينئذ
أن يثبته في وصية له ، خشية أن يفاجئه الموت قبل سداده ؛ لما روى البخاري (2738)
ومسلم (1627) عن ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ
ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي ).
وليعلم أن التائب الصادق إن عزم على رد
المال لأهله ، ثم فاجأه الموت ، فإنه يرجى من الله تعالى أن يعفو ويتجاوز عنه وأن
يرضي عنه أصحاب الأموال يوم القيامة ، ويُستأنس لهذا بما رواه البخاري (2387) عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى
اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن مات مُعْدِما : يُرْجَى أن الله يقضي عنه ما عليه " انتهى من "الاختيارات"
(166) .
وإذا سرق الإنسان مال غيره ، وشق عليه أن يخبره بذلك ، أو خشي زيادة المفسدة
بإخباره ، كأن تحصل القطيعة بينهما ، فلا يلزمه إخباره ، بل يرد المال إليه بأي
طريق ممكن ، كأن يدخله في حسابه ، أو يعطيه لمن يوصله إليه .
هذه قواعد التوبة من السرقة ، وقد سبق بيانها مفصلة في جواب السؤال رقم (83099)
، ورقم (142235) .
ثانيا :
من توضأ واغتسل بماء مغصوب ، أو ماء اشتراه بمال حرام ، فوضوؤه صحيح ، وعليه إثم
غصبه أو سرقته . وينظر : الشرح الممتع (5/ 57).
ثالثا :
من أسباب قبول الدعاء : طيب المطعم ، ومن أسباب رده : خبث المكسب ، كما سبق بيانه
في جواب السؤال رقم (13506) .
هذا من حيث العموم ، والله سبحانه واسع الفضل ، عظيم الإحسان ، ينعم على عباده
النعم العظيمة الجزيلة مع عصيانهم وتقصيرهم ، فما يدري صاحبك لعل الله استجاب له
دعوات ودعوات ، ومع ذلك فلا ينبغي أن يشغل نفسه بالدعوات الماضية ، بل يجتهد الآن
في إصلاح ما بقي من عمره ، ويقبل على ربه ومولاه ، ويجتهد في إطابة مطعمه وكسبه .
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبته وأن يعينه على رد ما أخذ من أموال الناس .
والله أعلم .