لم تثبت قصة " تقبيل عبد الله ابن عمر لجاريته أمام الناس" ؟
ذكر ابن القيم في الجواب الكافي أن " الإمام أحمد ذكر أن عبد الله بن عمر وقع في سهمه ، يوم جلولاء جارية كان عنقها إبريق فضة . قال عبد الله : فما صبرت عنها أن قبلتها والناس ينظرون إلي " . وقد ذكرتم في سؤال 103960 التحريم أمام الضرائر فما بالكم أمام الناس ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
القصة المذكورة رواها الإمام أحمد في كتابه "العلل ومعرفة الرجال" (2/260) قال :
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ اللَّخْمِيِّ عَنِ ابن
عُمَرَ :
" أَنَّهُ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ جَارِيَة يَوْم جَلُولَاء ، كَأَنَّ عُنُقَهَا
إِبْرِيقَ فِضَّةٍ ، قَالَ : فَمَا صَبَرْتُ أَنْ قُمْتُ إِلَيْهَا ،
فَقَبَّلْتُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ " .
ثم قال عبد الله بن الإمام أحمد عقب سياقه لذلك :
" سَمِعْتُ أَبِي يَقُول : لم يسمعهُ هُشَيْم من عَليّ من زَيْدٍ " انتهى .
فهذا إعلال للرواية بعدم سماع هشيم للقصة من راويها : علي بن زيد ، وهشيم مدلس .
لكن الأثر رواه غير واحد عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أيوب اللخمي ، به .
رواه ابن أبي شيبة (3/516ـ رقم16656) والبخاري في التاريخ الكبير (1/419) وغيرهما.
وهذا أيضا إسناد ضعيف ، علي بن زيد بن جدعان ، ضعيف . ومدار القصة عليه .
وأيوب اللخمي تابعي سمع ابن عمر ، وذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يوثقه غيره .
انظر: الداء والدواء ، لابن القيم ، ط عالم الفوائد ، تعليق المحقق (558-559) .
ثانيا :
إذا قدر أن القصة ثابتة ، فهي تحكي موقفا من مواقف ضعف الإنسان ، التي غلب فيها على
نفسه ، وهي تشبه حال من زفت إليه حسناء ، فتلعق بها أول ما رآه . ومعلوم أن التأسي
والاتباع إنما هو بالهدي العام ، لا بلحظة ضعف ، لم يتمالك فيها نفسه ، وغلب عليها
. وهو أمر لا يسلم منها الناس عامة .
قال الشخ برهان الدين إبراهيم بن مفلح الحنبلي : " المسبية هل له الاستمتاع بها
فيما دون الفرج ؟
على روايتين : إحداهما : تحرم مباشرتها والنظر إليها لشهوة ، في ظاهر الخرقي ،
وقدمه في "الرعاية" ، و"الفروع" ، قال في "الشرح" : هو الظاهر عن أحمد ...
والثانية : لا يحرم ، لفعل ابن عمر ...
والأول أصح . قاله في "المغني" . وقال حديث ابن عمر : لا حجة فيه ، لأنه ذكره على
سبيل العيب على نفسه ... " انتهى من "المبدع" لابن مفلح (8/132) ، وينظر "المغني"
(8/149) .
وينظر جواب السؤال رقم (72220 )
فائدة :
قال ابن المنير رحمه الله ، بعد نقله لهذا الأثر بإسناده :
" وَهَذَا الْأَثر لم أر من أخرجه عَنهُ إِلَّا ابْن الْمُنْذر فَإِنَّهُ ذكره فِي
إشرافه بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَقد روينَا عَن ابْن عمر أَنه قبل جَارِيَة
وَقعت فِي سَهْمه يَوْم جَلُولَاء وأسنده فِي كِتَابه الْأَوْسَط ، وَمِنْه نقلت
بعد أَن لم أظفر بِهِ إلاّ بعد عشْرين سنة من تبييض هَذَا الْكتاب فاستفده وَللَّه
الْحَمد " . انتهى من "البدر المنير" (8/262) .
فانظر إلى هذا العالم ، كيف تعلقت نفسه بفائدة حتى ظفر بها بعد عشرين عاما !!
والله أعلم .