الحمد لله.
وقد أشار أهل العلم إلى أن الشرع إنما رخص في لعب
الصغار بمثل تلك اللعب ، مع نهيه عن الصور ، وتحريمه للتصوير ؛ لأجل ما في لعبهم
بذلك من مساهمة في الإعداد الوجداني لما يكونون عليه في مستقبل أيامهم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
( وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ ، وَبِهِ جَزَمَ
عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ ، وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ اللَّعِبِ
لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرِهِنَّ عَلَى أَمْرِ بُيُوتِهِنَّ
وَأَوْلَادِهِنَّ ) انتهى من "فتح الباري" (10/527) .
ولا شك أن الخنزير ليس مجرد حيوان نجس ، أو محرم الأكل ، أو غير ذلك مما قد يقال
فيه ، أو يتعلق به من الأحكام الشرعية ؛ وإنما هو مكون ثقافي للغرب النصراني ، وجزء
من هوية هذه الأمة .
وفي صحيح البخاري (2222) ومسلم (155) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا
مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ
وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ) .
قال ابن بطال رحمه الله :
"وإنما قصد إلى كسر الصليب وقتل الخنزير : من أجل أنهما في دين النصارى المفترين
المعتدين في شريعتهم إليه ، فأخبر النبي أن عيسى سيغير ما نسبوه إليه ، كما غيره
محمد ، وأعلمهم أنهم على الباطل في ذلك ؛ فدل هذا أن عيسى يأتي بتصحيح شريعة محمد ،
حاكمًا بالعدل بين أهلها" . انتهى من "شرح صحيح البخاري" ، لابن بطال (6/604) .
وقال النووي رحمه الله :
"وفيه دليل على تغيير المنكرات وآلات الباطل ، وقتلُ الخنزير من هذا القبيل . وفيه
دليل للمختار من مذهبنا ومذهب الجمهور : أنا إذا وجدنا الخنزير في دار الكفر ، أو
غيرها ، وتمكنا من قتله : قتلناه ، وإبطال لقول من شذ من أصحابنا وغيرهم فقال :
يترك إذا لم يكن فيه ضراوة " انتهى من شرح مسلم (11/221) .
والحاصل : أن الخنزير حيوان غير محترم ، وشعار من
شعارات الكفر والكذب على الله تعالى ؛ فلا يصح من المسلم أن يربي أولاده على إلفته
، أو الاهتمام به ، أو التعلق به ؛ سواء كان في صورة قصة ، أو لعبة ، أو تمثيلية ،
أو غير ذلك ، بل المشروع تنبيهه إلى تعلقه بالدين الباطل ، وأنه من علاماته ، وأنه
لا حرمة له في الشرع ، بحسب ما يناسب فهمه وعقله ؛ حتى إذا كبر ، تعلم ما يتعلق به
من الأحكام الشرعية على وجهها .
وأما تجنيب أطفالك رؤيته : فهذا إن كان المراد به الرؤية العابرة ، أو رؤية صورته
بصورة عارضة : فهو أمر يشق عمله ، كما لا نرى لزومه أيضا ؛ وإنما المراد ألا يكون
مألوفا بالنسبة له ، ولا في محل العناية والاهتمام .
والله أعلم .