الحمد لله.
يرى جمهور العلماء أن لبن المرأة التي تترتب عليه آثاره لا يشترط أن يكون قد ثاب –
اجتمع - مِن جماع زوج أو بعد ولادة ، بل لو تناولت شيئاً درَّ بسببه لبنها فأرضعت
به ولداً صار هذا الرضيع ولداً لها بالرضاعة ، ولذا فلم يمنعوا أن تكون المرأة
بكراً لم يسبق لها زواج ترضع فتصير أمّاً في الرضاعة ، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي
حنيفة ، ورجحه المردواي وابن قدامة الحنبليان .
ويشترط حتى يكون ابناً لمرضعته أن ترضعه خمس رضعات ، وأن يكون ذلك في عمر سنتين
فأقل .
قال محمد العتبي المالكي – رحمه الله - : " وسمعته – يعني : الإمام مالكاً - وسئل
عن المرأة تشرب الشجرة فيدر بشربها لبنها فترضع به ، أيحرم بذلك الرضاع ؟ فقال :
نعم يحرِّم بذلك أليس بلبن ؟ فقال : نعم ، يحرم بذلك .
وعلَّق عليه محمد بن رشد المالكي – رحمه الله - :
قوله إن المرأة إذا درَّ لبنُها بشيء تشربه فأرضعت به إنه لبن يحرم : هو مثل ما في
" المدونة " من أن لبن الجارية البكر يحرم ، وأن لبن النساء يحرم على كل حال ،
بظاهر قول الله عز وجل ( وَأُمَّهَاتُكم اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُم وَأَخَوَاتُكُم
مِنَ الرَّضَاعَةِ ) ولم يخص ذات زوج ممن لا زوج لها " انتهى من " البيان والتحصيل
" لابن رشد المالكي ( 5 / 153 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " قوله " وغَيْرُ حُبْلَى " يعني
: لو أن امرأة أرضعت طفلاً بدون حمل ، وهذا يقع كثيراً فإن بعض الصبيان يبكي فتأتي
امرأة ليس فيها لبن ولم تتزوج فتلقمه ثديها تريد أن تسكته ، ومع المص تدر عليه ،
ويكون فيها لبن ، ويرضع خمس مرات أو أكثر ، فهل يكون ولداً لها ؟ يقول المؤلف : لا
؛ لأنه حصل من غير حمل ، وهذا التعليل لا يكفي في عدم إثبات هذا الحكم المهم ،
والصواب الذي عليه الأئمة الثلاثة : أنه محرِّم ، وأن الطفل إذا شرب من امرأة خمس
مرات فإنه يكون ولداً لها ، سواء كانت بكراً أم آيسة أم ذات زوج ، فهو محرِّم
بالدليل والتعليل .
فالدليل : عموم قول الله تبارك وتعالى ( وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ
) وليس في الكتاب ولا في السنَّة اشتراط أن يكون اللبن ناتجاً عن حمل فتبقى النصوص
على عمومها .
والتعليل : أن الحكمة من كون اللبن محرِّماً هو تغذي الطفل به ، فإذا تغذى به الطفل
حصل المقصود ، أما الآية ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ) إنما سيقت
لبيان ما يجب على الأم من إتمام الرضاعة ، فالصواب إذاً : أن لبن المرأة محرِّم
سواء صار ناتجاً عن حمل أو عن غير حمل ، فلبن البكر محرم ، ولبن العجوز التي ليس
لها زوج وأيست محرم " انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 13 / 440 ، 441
) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 118709 )
.
وعليه : فالمرأة التي تتناول
أدوية أو أغذية نافعة غير ضارة فتدر بسببها لبنها ترضع به طفلاً خمس مرات وعمره
سنتان فأقل : فإنه يكون ابناً لها في الرضاعة ، والرضاع يثبت به تحريم النكاح وجواز
الخلوة والنظر والمحرمية في السفر ، ولا يثبت به نسبٌ ولا وجوب نفقة ، كما لا يقع
به توارث .
وننبه إلى أن زوج المرأة المرضعة لا يكون أباً في الرضاعة ؛ لأنه لم يكن اللبن منه
، فأبناؤه من غير زوجته المرضعة يحلون للبنت المرتضعة من زوجته ، وبناته من غير
زوجته المرضعة يحللن للابن المرتضع من زوجته .
ففي " الفتاوى الهندية " لجماعة من علماء الحنفية ( 1 / 343 ) : " رجل تزوج امرأة
ولم تلد منه قط ثم نزل لها لبن فأرضعت صبيّاً : كان الرضاع من المرأة دون زوجها حتى
لا يحرم على الصبي أولاد هذا الرجل من غير هذه المرأة " انتهى .
وفي " مغني المحتاج " للشربيني الشافعي ( 3 / 420 ) : " ولو نزل لبِكر لبنٌ وتزوجت
وحبلت من الزوج : فاللبن لها لا للزوج ما لم تلد ، ولا أب للرضيع ، فإن ولدت منه :
فاللبن بعد الولادة له " انتهى .
ولن يختلف الأمر بخصوص زوج الأم المرضعة من حيث الأحكام الشرعية العملية المتعلقة
بالنظر والخلوة فهو زوج أم الطفل الرضيع ، وإذا كانت المرتضَعة أنثى فستكون ربيبتَه
وهو محرَّم عليه نكاحها وله من الأحكام ما للأب من الرضاعة في هذا الخصوص .
وننبه – أيضاً - إلى أن لفظ
" التبني " الوارد في السؤال ليس هو على معناه الشرعي المحرَّم من نسبة الولد إلى
غير أبيه ، وإنما أرادوا به رعاية اليتيم والاعتناء به ، ولذا فإننا نفضل عدم
استعماله على هذا المعنى لما فيه من الإيهام .
وينظر جواب السؤال رقم (10010)
ورقم (126003) .
والله أعلم