يشعر بالاكتئاب والحزن بسبب ذكريات الماضي قبل الاستقامة ويريد النصيحة

20-11-2012

السؤال 174803


أنا مسلم ومن عائلة مسلمة ، ولكني لم أبدأ الالتزام إلا العام الماضي ، وقد اطلقت لحيتي ، كما أني لست ممن يتعاطون الدخان ، ولا أصاحب الفتيات ، ولا أشاهد الأفلام ، وأحاول دائماً أن اصرف وقتي في طلب العلم ، إلّا أني مؤخراً بدأت أشعر باكتئاب وحزن شديدين بسبب ذكريات الماضي التي ترد على ذهني فتتركني حزيناً قلقاً. لقد سببت لي هذه الحالة أمراضاً اجتماعية فأصبحت أخاف من التحدث إلى الناس ، بل حتى أمراضاً على المستوى الشخصي ، فأصبحت أشك أن دعائي وصلواتي لن تُقبل . إنني فعلاً أمرّ بحالة صعبة ، ومع هذا فأنا لا أبوح بمشاكلي لأحد من الخلق ليقيني بأن الله هو من يفرّج الكرب .


فلا أدري ما العمل..! هل من نصحية ؟ أيمكن أن يكون سبب ما أمرّ به هو تقصيري في أداء صلاة الفجر في وقتها ؟!

الجواب

الحمد لله.


أولا :
نهنئك بتوبة الله عليك وأنه قد من عليك بترك الذنوب والمعاصي وحياة العبث ، وهذه النعمة العظيمة يجب عليك المحافظة عليها بالإقبال على الله ودعائه والتضرع إليه والمداومة على ذكره سبحانه وتعالى ، فكل هذا يقوي القلب ويثبت القدم على طريق الطاعة ويدفع شكوكك وترددك الذي أصابك في الفترة الأخيرة .
ثانيا:
فيما يخص الحالة التي انتابتك مؤخرا فإن لها عدة أسباب :
1. فمنها أنك انعزلت كثيرا بعد الهداية ، ولكن ما علاقة الهداية بعزلتك هذه ، كان يمكنك أن تختار من الناس من يستحق المخالطة والصحبة ، بل إنك حتى عند مخالطتك غير هؤلاء يكون همك هو أن تدلهم على طريق التوبة والرجوع إلى الله ، فالالتزام لا يعني أبدا بعدك عن الناس ، وحتى عند طلب العلم يبحث الإنسان دائما على من يرافقه في الدرس ويعينه على المذاكرة ، وهكذا تظل طبيعة الإنسان الاجتماعية ولكن تختلف الأهداف والسلوك عليها ، لا شك أن العزلة عن الماضي ورفقائه هي عزلة نافعة ، بل ربما كانت واجبة في بعض الأحيان ؛ لكن من المفيد لك أن تستبدل برفقة الماضي ، رفقة أخرى صالحة تعينك على طريق الهداية ، وتؤنسك ، وتقوي من عزمك وهمتك ، وقد قال الله تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) الكهف/28.
2. ومنها : ذكرك لبعض ذكريات الماضي ، وهذا لا بد أن يكون ؛ لأنك في بدايات الطريق ، والشيطان لن يدعك تفلت ، فيقلب عليك صورا ومشاهد وأفكارا كنت تحياها بالماضي القريب ، لكن أبشر ؛ فإن هذه الشدة وتلك الهواجس سرعان ما تزول إن شاء الله ، شريطة أن تثبت على طريق الهداية ، وتستقيم في بدايات سلوكك .
3. الشكوك التي تملك عليك نفسك ، والهواجس التي تأتيك من كل مكان ، إنما هي من وساوس الشياطين التي يجب عليك دفعها بشدة ، والاستعاذة منها ، وكثرة دعاء الله بأن يقويك وينجيك من الشيطان ونفثه ، واعلم أن الله تعالى غني عنا وعن أعمالنا ، وأن عبادتنا الناقصة هو يزكيها لنا بمنه وكرمه سبحانه ، ويجازي عليها ، ويضاعف الجزاء ، فضلا منه وكرما وجودا ، والله شكور حليم سبحانه ، يقبل القليل ، ويعطي الكثير، وهو عند ظنه عبده به ، جل جلاله .
فلا تظنن بربك ظن سوء * فإن الله أولى بالجميل .
4. أما تفريطك في صلاة الفجر ، فلا شك أنه خلل كبير عندك ، ونقص يجب عليك أن تبادر بإصلاحه وسده ، فإصلاح البدايات ، علامة خير في الطريق ؛ وكيف يكون يومك وقد بدأته بمعصية الله ، والتفريط في أمر من أعظم أوامره ، وأجل حقوقه على عبده : الصلاة على وقتها ؟! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ؛ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) رواه مسلم في صحيحه (657) ، فلا تحرم نفسك ، بل لا تطرد نفسك ـ يا عبد الله ـ من ذمة ربك : أي أمانه ، وحفظه ، وضمانه لعبده ، وصيانته له من عدوه ؛ لا تحرم نفسك من ذلك كله بتفريطك في صلاة الصبح في أول وقتها ، مع الجماعة في المسجد ، فيتسلط عليك عدوك ، وأنت الجاني على نفسك ، إن فعلت .
يسر الله لك أمرك ، وكشف همك وغمك ، وثبتك على صراطه المستقيم .
والله أعلم .

التوبة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب