الحمد لله.
روى البخاري (48) عن ابن مسعود رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) .
قال النووي رحمه الله :
" مَعْنَى الْحَدِيث أنّ سَبّ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ
الْأُمَّة وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى .
ففي الحديث الزجر عن سب المسلم دون تفريق بين الحي والميت .
ويتأكد النهي والزجر في حق الميت لأن حرمته باقية ، وقد تكون أشد ، ولأنه قد لا يجد
من يحمي عرضه ويدافع عنه .
وقد روى أبو داود (4899) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ
فَدَعُوهُ وَلَا تَقَعُوا فِيهِ ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال في عون المعبود :
" ( فَدَعُوهُ ) : أَيْ اُتْرُكُوهُ مِنْ الْكَلَام فِيهِ بِمَا يُؤْذِيه لَوْ
كَانَ حَيًّا ( وَلَا تَقَعُوا فِيهِ ) : أَيْ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي عِرْضه
بِسُوءٍ فَإِنَّهُ قَدْ أَفْضَى إِلَى مَا قَدَّمَ , وَغِيبَة الْمَيِّت أَفْحَش
مِنْ غِيبَة الْحَيّ وَأَشَدُّ ؛ لِأَنَّ عَفْو الْحَيّ وَاسْتِحْلَاله مُمْكِن
بِخِلَافِ الْمَيِّت " انتهى .
وروى البخاري (5067) ومسلم (1465) عن عَطَاء قَالَ حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ
جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " هَذِهِ زَوْجَةُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا
تُزَعْزِعُوهَا وَلَا تُزَلْزِلُوهَا وَارْفُقُوا فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ
وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ " .
قال الحافظ رحمه الله :
" يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ حُرْمَة الْمُؤْمِن بَعْد مَوْته بَاقِيَة كَمَا كَانَتْ
فِي حَيَاته " انتهى .
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه :
" بَاب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ "
ثم روى (1393) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ
قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ) .
فقول القائل : " ميتين أبو
كذا " أو " ميتين أم كذا " إذا كان ما بعد " أبو " من الناس ، كقول القائل منهم "
ميتين أبو فلان " أو " ميتين أم فلان " ! ونحو ذلك وهؤلاء الموتى من المسلمين، فهذا
من الذنوب العظيمة التي يلزم لها التوبة الصادقة ، سواء قال ذلك في حال الرضا أو
حال الغضب .
وإذا كان ما بعدها ليس من الناس ، كقول القائل " ميتين أم المدرسة " مثلا ، وهو
يقصد ذات المدرسة ولا يقصد من فيها ، فمثل هذا من الجهل بالقول والفحش فيه ، وقد
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ
وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ ) رواه الترمذي (1977) ،
وصححه الألباني .
وخاصة أن هذا التلفظ البذيء لا يعرف إلا عن أراذل الناس وسفهائهم ، ومثل هؤلاء لا
ينفردون إلا بما يكره من القول أو الفعل .
وعموم الناس يستنكر هذه الألفاظ الخارجة وتمُجّها أسماعهم .
وعلى المسلم أن يحفظ لسانه ويكفه عما لا يجوز له التلفظ به من فحش القول وبذيئه .
والله تعالى أعلم .