الحمد لله.
وقاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " يتداولها الناس فيما بينهم ، فإذا وقع أحدهم في ورطة بسبب ذنبه ، أو احتاج حاجة ليست بالشديدة شرع يحل لنفسه ما حرم ربه عليه محتجا بهذه القاعدة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
هناك بعض الناس يتعاملون بالربا ، ويدخلون الربا أيضا في قاعدة : الضرورة تبيح المحظورات ، فما الحكم ؟ شخص عليه دين: إما أن يدفعه، أو يقدم للمحاكمة ؛ فأخذ بالربا ؟
فأجابت اللجنة : " لا يجوز التعامل بالربا مطلقا " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13 /294)
واعلم أن هذا الذي أصابك من ضيق وشدة إنما أصابك بذنبك ، وهذا في الحقيقة من لطف الله ورحمته ، حتى يراجع الواحد منا نفسه ويرجع إلى ربه ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/ 30 ، وقال سبحانه : ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الأعراف/ 168 .
فالواجب عليك التنبه إلى هذا الأصل والعمل بمقتضاه ، فالذي أصابك من البلاء والحاجة ، إنما هو بسبب الذنب لتتوب منه ، عسى أن يتوب الله عليك ، وأنت اليوم تريد أن تجعل هذه الحاجة سببا شرعيا للتمادي في الذنب والوقوع في أوحاله وآثاره ! هذا مما لا يحسن بك فعله ، وهو مما يدل على أن توبتك والتزامك ليسا على الوجه المطلوب .
ومن شروط التوبة المقصودة المطلوبة أن ترد المال إلى أصحابه ؛ فإنه لا تصح التوبة إذا تعلق الذنب بحق الآدميين إلا برده إليهم – كما تقدم - أو التحلل منهم .
روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ) .
قال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية" (1 / 1035) :
" يقال تحلَّلته واستحللته : إذا سألته أن يجعلك في حِلٍّ من قِبَله " انتهى .
قال علماء اللجنة :
" يجب على من أخذ مال غيره بغير إذنه أن يرده عليه ، ولو كان وقت أخذه له صغيرا ، ويطلب منه المسامحة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15 /373)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" حقيقة التوبة : الإقلاع من الذنوب وتركها ، والندم على ما مضى منها ، والعزيمة على عدم العود فيها ، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم ، أو تحللهم منها " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (16 /33)
فإن كنت لا تعرف صاحبه ، أو كان من المال العام ، فيجب عليك التصدق به في أوجه البر العامة أو على الفقراء وأهل الحاجة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" الْأَمْوَالُ الَّتِي تَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَى أَهْلِهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِمْ مَثَلًا هِيَ مِمَّا يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ كَالْغَاصِبِ التَّائِبِ وَالْخَائِنِ التَّائِبِ وَالْمُرَابِي التَّائِبِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ صَارَ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ ؛ فَإِنَّهُ يَصْرِفُهُ إلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (28 /568)
ولا يجوز لك أخذ هذا المال الحرام للاستعانة به في فك ضائقتك وحل مشكلتك ، خاصة وأنت لم تقبض هذا الجزء الذي تريد استخدامه بعد ، فالنصب والاحتيال ذنب ومعصية ، وأخذك لهذا المال الذي لم تستلمه بعد ، مناف لتوبتك التي يتشرط فيها الإقلاع عن الذنب ، والندم عليه ؛ وها أنت ذا توطن نفسك على الوقوع في الذنب !!
فرد المال إلى أصحابه ، واستغفر الله وتب إليه ، وتوكل عليه ، يجعل لك من بعد العسر يسرا ومن بعد الضيق فرجا ومخرجا ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 -3 .
كما يجب عليك نصح والدك وإرشاده إلى التوبة وأمره بما أمرك الله به من نهيه عن المنكر والتمادي فيه .
واعلم أنه لا يستغني ساع بالحرام أبدا ، وإنما هي غفلة يعينه عليها التوهم الخاطئ .
راجع جواب السؤال رقم : (65649) ، (169424) .
والله تعالى أعلم .