الحمد لله.
فإن وجد العذر كسوء عشرة
الرجل، أو كراهة الزوجة لزوجها، جاز طلب الطلاق والخلع .
لما روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ امْرَأَةَ
ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي
خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ
حَدِيقَتَهُ؟ ) قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً).
وعند ابن ماجه (2056) أنها قالت: ( لا أطيقه بغضاً ) صححه الألباني في" صحيح ابن
ماجة ".
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله في بيان ما يسوّغ طلب الخلع :
" إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب
والانتقاد لأدنى فعل ، والعتاب على أدنى نقص ، فلها الخلع .
ثانياً : إذا كرهت خِلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع .
ثالثاً : إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان
بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب
الخلع.
رابعاً : إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك
فلها طلب الخلع .
خامساً : إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لِعُنّة ( أي: بسبب
العُنة ، وهي عيب يمنع القدرة على الوطء ) فيه ، أو زهد فيها ، أو صدود إلى غيرها ،
أو لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع ، والله أعلم " انتهى.
ثانيا :
للزوجة الحق في مسكن خاص بها ، فلها أن ترفض سكن أولاد الزوج معها .
ولا يخفى أن أولاده من الزنا ، ليسوا أولادا له شرعا ، فلا يكونون محارم لزوجته .
ثالثا :
إذا أصر الزوج على إسكان أولاد الزنا في بيته ، جاز لها طلب الطلاق أو الخلع ،
وكذلك إذا كرهته ولم تطق أن تعيش معه ، وعليها أن تتقي الله تعالى ، وألا تتعجل في
ذلك ، وأن تراعي ما سبق بيانه من تحريم سؤال الخلع أو الطلاق ، فلو استعانت ببعض
أهل الخير والصلاح فأقنعوا زوجها بجعل سكن مستقل لها ، وأمكنها قبوله والعيش معه ،
لم يجز لها طلب الخلع .
رابعا :
لا يستحب للزوج أن يطلب في الخلع أكثر مما دفع من مهر ، وأجاز ذلك المالكية
والشافعية ، ولغيرهم تفصيل.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (19/ 243) : " ذهب المالكية والشافعية إلى جواز أخذ
الزوج عوضا من امرأته في مقابل فراقه لها ، سواء كان العوض مساويا لما أعطاها أو
أقل أو أكثر منه ، ما دام الطرفان قد تراضيا على ذلك , وسواء كان العوض منها أو من
غيرها , وسواء كان العوض نفس الصداق أو مالا آخر غيره ، أكثر أو أقل منه .
وذهب الحنابلة إلى أن الزوج لا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، بل يحرم
عليه الأخذ إن عضلها ليضطرها إلى الفداء .
وفصل الحنفية فقالوا : إن كان النشوز من جهة الزوج كره له كراهة تحريم أخذ شيء منها
, لقوله تعالى : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا
منه شيئا ) ، ولأنه أوحشها بالفراق فلا يزيد إيحاشها بأخذ المال .
وإن كان النشوز من قبل المرأة لا يكره له الأخذ , وهذا بإطلاقه يتناول القليل
والكثير , وإن كان أكثر مما أعطاها ، وهو المذكور في الجامع الصغير , لقوله تعالى :
( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) ، وقال القدوري : إن كان النشوز منها كره له أن
يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، وهو المذكور في الأصل ( من كتب ظاهر الرواية عند
الحنفية ) لقوله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس : أما الزيادة فلا ، وقد
كان النشوز منها , ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء , وكذلك إذا أخذ والنشوز منه ...
" انتهى .
وإذا لم يمكن التوفيق والصلح بينهما ، فينبغي نصح الزوج بالتخفيف في العوض الذي
يطلبه ، وإعانة المرأة ومساعدتها على دفعه .
والله أعلم .