أعلم أن الإسلام أحل الزواج من المرأة إذا بلغت الحلم سواء كانت ابنة 15 أو 11 أو حتى 9 سنوات نظرا لتكوينها الجسماني ، لكن بالنسبة لتكوينها العاطفي والعقلي ، ألم يأخذ هذا في الاعتبار؟ أم أنه أحل منها الزواج نظرا لتكوينها الجسماني لتتمكن من الحمل ، وبصرف النظر عن حالتها العاطفية والعقلية ؟ وهل كذلك الأمر بالنسبة للولد ، لو بلغ الحلم يحل له الزواج ، بصرف النظر عن تكوينه العاطفي والعقلي؟
الحمد لله.
أولا :
يجوز للرجل أن يزوج ابنه الصغير ولو لم يبلغ الحلم ، كما يجوز له أن يجوز ابنته الصغيرة ولو لم تبلغ الحلم ، وحكي ذلك اتفاقاً ، على أن يكون ذلك مبنيا على تحري الكفاءة وحصول المصلحة .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، لتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين " انتهى من "التمهيد" (19 /98) .
وقال إسماعيل بن إسحاق رحمه الله :
" والأب له أن يزوج الصغيرة بإجماع من المسلمين ثم يلزمها ذلك " .
انتهى من "التمهيد" (19 /84) .
وخالف في ذلك ابن شبرمة كما سيأتي .
ثانيا :
لا يشرع تزويج الصغيرة إلا إذا كانت هناك مصلحة راجحة في ذلك ، وكذلك الشأن بالنسبة للصبي الصغير ، إلا أنه أشد تأكيدا في الصبية بالذات لأن الصبي يملك الطلاق .
قال النووي رحمه الله :
" واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا : يستحب أن لا يزوِّج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها ، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة ، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة ؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير ، كحديث عائشة ، فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها " .
انتهى من" شرح مسلم " (9 / 206) .
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن البنت التي تم لها تسع سنين يشترط رضاها ، وقال :
" وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو الحق " .
وأما من دون تسع سنين فاختار أنه ليس لأبيها تزويجها ، وذكر عن ابن شبرمة رحمه الله أنه قال : لا يجوز أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أبداً ؛ لأننا إن قلنا بشرط الرضا فرضاها غير معتبر ، ولا نقول بالإجبار في البالغة فهذه من باب أولى ، قال الشيخ : وهذا القول هو الصواب ، أن الأب لا يزوج بنته حتى تبلغ ، وإذا بلغت فلا يزوجها حتى ترضى .
لكن لو فرضنا أن الرجل وجد أن هذا الخاطب كفء ، وهو كبير السن ، ويخشى إن انتقل إلى الآخرة صارت البنت في ولاية إخوتها أن يتلاعبوا بها ، وأن يزوِّجوها حسب أهوائهم ، لا حسب مصلحتها ، فإن رأى المصلحة في أن يزوجها من هو كفء فلا بأس بذلك ، ولكن لها الخيار إذا كبرت ؛ إن شاءت قالت : لا أرضى بهذا ولا أريده .
وإذا كان الأمر كذلك فالسلامة ألا يزوجها ، وأن يدعها إلى الله عزّ وجل فربما أنه الآن يرى هذا الرجل كفئاً ثم تتغير حال الرجل ، وربما يأتي الله لها عند بلوغها النكاح برجل خير من هذا الرجل؛ لأن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى " انتهى من"الشرح الممتع" (12 /57-59) .
واختار الشيخ أيضا عدم تزويج الصبي حتى يبلغ .
"الشرح الممتع" (12 /53)
أما الدخول بالصغيرة فلا يلزم بالعقد ، فلا يدخل بها زوجها حتى تطيق الجماع ، ولا يشترط لذلك البلوغ ، وهذا أمر يختلف باختلاف البيئات والأزمان ، والشرع في ذلك يلاحظ التكوين الجسماني .
ويراجع جواب السؤال رقم : (146882) و (127176) .
ثالثا :
تبين من كلام فقهاء الإسلام في هذه المسألة ، أن زواج الصغيرة مبني على تحصيل المصلحة الراجحة من وراء ذلك ؛ فالصغيرة إذا كان في تزويجها مصلحة راجحة لها ، فإن لوليها أن يزوجها ، وإذا لم يكن لها مصلحة راجحة في ذلك ، فليس له أن يزوجها وهي صغيرة ، حتى تختار هي وترضى .
وليس ذلك من التعدي على حقوقها ، كما يقال في تصرف الوصي في مال اليتيم ، فإنه يجوز له أن يشتري له ويبيع دون أخذ إذنه إذا كان في ذلك المصلحة الراجحة له ، ويكون ذلك أنفع له ولماله .
والقول في الابن الصغير في ذلك كالقول في البنت الصغيرة : لا بد من اعتبار وليه لما يعود عليه من المصلحة في ذلك .
وهكذا الشأن في كل من أذن له الشرع في التصرف عن غيره ، وأعطاه ولاية عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فمن خير فيما يفعله لغيره بولاية عليه ، أو بوكالة مطلقة : لم يُبَح له فعل ما شاء ؛ فعليه أن يختار الأصلح " انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" (796) .
وهنا تأتي المراعاة الواقعية للجانب العاطفي ؛ فاختيار الأصلح للزوجة ، من حيث الشخص المناسب ، والتوقيت المناسب لاحتياجاتها ، هو في واقع الأمر مراعاة لحاجاتها ، وميولها الفطرية والعاطفية ؛ وليست العاطفة هي علاقات العشق والغرام التي تكون بين الفتيان والفتيات ؛ فهذه العلاقات والتصورات شيء ، والحياة الواقعية شيء آخر ؛ وكم من زواج بدأ بهذه العلاقات ، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى فشل ، وكم زواج بدأ من غير معرفة سابقة بين الزوجين ، وجعل الله بينهما المودة والرحمة والسكن والألفة ، ودامت العشرة بينهما على خير .
والله أعلم .