عندي معلومة وأريد التأكد منها ، وهي : أنه يجوز للمرأة عدم غسل شعرها إن كان الجو بارداً ولا تستطيع تحمله وخافت على نفسها من التعب علما أنه اغتسال من جنابة . وإن كان لا يجوز هل عليها إعادة الصلاة التي صلتها بعد ذاك الغسل ؟ وهل تقضيها بيوم واحد أو بكل يوم تقضي صلاة يوم كامل ؟
الحمد لله.
من وجب عليه اغتسال طهارة كاغتسال من جنابة أو انتهاء حيض : فلا يحل له التيمم مع وجود الماء وقدرته على استعماله ، فإذا فُقد الماء فليتيمم كما هو نص القرآن ، وإذا وَجد الماء ولم يمكنه استعماله لشدة البرد ، وخوفه على نفسه من الضرر أو الهلاك ، وليس عنده شيء يمكنه تسخينه به : فقد أبيح له التيمم ، وقد جعلت الشريعة حالته هذه كحال من فقد الماء .
عن عمرو بن العاص قَالَ : " احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ " ذَاتِ السُّلَاسِلِ " فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ ) فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " رواه أبو داود ( 334 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وأما إذا وجد الماء وأمكنه استعماله بالتسخين : فلا عذر له بالتيمم ، حتى لو خرج الوقت ، فليغتسل وليصل .
وعليه : فإذا كانت الأخت السائلة ليس عندها ما تسخن به الماء ، وغلب على ظنها الضرر باستعمال الماء : جاز لها أن تتيمم وتصلي ، ويكون حكمها كحكم فاقد الماء ولا إعادة عليها ،
وأما إذا كانت تخشى على نفسها من غسل رأسها فقط : فلها حالان :
الأولى : إذا أمكنها غسل رأسها وتغطيته : فلا عذر لها بالتيمم ، فلتغسله ولتدفئه بالتغطية ثم تغسل باقي أعضائها .
الثاني : إذا كان لا يمكنها فعل ما سبق ، خشية من ضرر محقق أو غالب : تيممت عن رأسها ، وغسلت باقي جسدها ، كما ذكرناه في جوابي السؤالين ( 129496 ) و ( 70507 ) .
قال شمس الحق آبادي – رحمه الله – في شرح حديث عمرو بن العاص - : " فيه دليل على جواز التيمم عند شدة البرد من وجهين : الأول : التبسم والاستبشار ، والثاني : عدم الإنكار ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل ، والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز .
قال الخطابي : فيه من الفقه أنه عليه السلام جعل عدم إمكان استعمال الماء ، كعدم عين الماء ، وجعله بمنزلة من يخاف العطش ومعه ماء فأبقاه ليشربه وليتيمم به خوف التلف .
قال ابن رسلان في " شرح السنن " : لا يتيمم لشدة البرد مَن أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على درجة يأمن الضرر ، مثل أن يغسل عضواً ويستره ، وكلما غسل عضواً ستره ودفَّاه مِن البرد : لزمه ذلك ، وإن لم يقدر : تيمم وصلَّى في قول أكثر العلماء " انتهى من " عون المعبود " ( 1 / 365 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " فأقره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك ولم يأمره بالإعادة ؛ لأن مَن خاف الضرر كمن فيه الضرر ، لكن بشرط أن يكون الخوف غالباً أو قاطعاً ، أما مجرد الوهم فهذا ليس بشيء " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 12 / 402 ) .
والله أعلم