الحمد لله.
ثانيا :
عليك بترتيب وقتك بمقتضى ترتيب أولوياتك ، وأن تعطي كل ذي حق حقه دون أن يؤدي ذلك
إلى عدوان على حق آخر .
والتركيز في العمل والإقبال عليه بجد وإخلاص أمر مطلوب ، ولكن لا ينبغي الانشغال
بمزيد من الأعمال التي تتطلب منا المزيد من الجهد والوقت والتركيز مما قد يؤثر سلبا
على أمور أخرى لا تقل أهمية عن تلك ، وخاصة إذا تعلقت بأمور الشرع .
وهاهنا تكون الأزمة التي تتحدث عنها ، ولا يمكن التخلص منها إلا بالموازنة العادلة
.
فاجتهد ، قدر طاقتك ، في أن
تخصص وقتا محددا للعمل في مهنتك ، ولا تجعل هذا الأمر بالذات مفتوحا غير مقيد بوقت
محدود ، بل حاول أن تقيده بمتوسط من الساعات ، تراه ملائما لطبيعة عملك وظروفك .
ثم اجعل في خلاله وقتا أو أوقاتا تنظر فيها في المصحف ، ولو وقتا يسيرا ، أو تطالع
فيه كتابا من الكتب العلمية الشرعية أو تراجع فيها درسا ، وبإمكانك أن تحيي أوقات
الانتظار ، والفترات البينية بين الأعمال والمهمات ، بشغلها بما سبق من قراءة وردك
القرآني ، أو نحو ذلك من الطاعات .
وبإمكانك أن تحمل كثيرا من الدروس العلمية والدعوية ، والتلاوات القرآنية ، على
حاسوبك الشخصي ، لتنتفع بسماع ذلك في أوقات فراغك ، أو انتظارك ، أو عملك الروتيني
الذي لا يتطلب منك تركيزا ذهنيا .
واجتهد في أن تفتح على نفسك أبواب الطاعات ، بحسب ما تطيقها ، فلا تفوت أسبوعا ، أو
شهرا من غير أن تصوم فيه ، ولو أن تظفر من الشهر بصيام ثلاثة أيام ، قبل أن يفوتك .
واجتهد في أن يكون لك ورد من صلاة النوافل تواظب عليه ، بحسب طاقتك وهمتك مع ربك ،
وحبذا أن تظفر من نفسك بركعتين قبل الفجر.
واعلم أنك لن تستطيع
الموازنة بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة إلا بمراعاة هذا الحديث والعمل بمقتضاه ،
وهو ما رواه البخاري (1968) أن سَلْمَان قال لأبي الدرداء رضي الله عنهما وهو يعظه
: ( إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) فَأَتَى أبو الدرداء
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ سَلْمَانُ ) .
ثم قبل ذلك كله ، وبعد ذلك كله : فليس أعظم للعبد وأنفع له من الافتقار إلى ربه ،
والاستعانة به ، واللجوء إليه : أن يصلح له شأنه كله ، وأن يعينه على أمره ، وأن
يمده بمدد من عنده سبحانه .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (69747)
.
والله تعالى أعلم .