الحمد لله.
والقوم كما قال الله تعالى (
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ
غَافِلُونَ ) الروم/ 7
فهم لا يؤمنون بآيات الله ، ويصدون عن سبيل الله ، فلذلك يصرفهم الله عن آياته ؛
كما قال سبحانه :
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ
الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ
سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ )
الأعراف/ 146 .
والمؤمن موقن بآيات ربه ، يستدل بها على ربوبيته وتوحيده .
ومما جعله الله آية للناس حادثة انشقاق القمر المعروفة ، كما روى البخاري (3637)
ومسلم (2802) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ
أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ .
فمن لم يخالف في شيء مما جاء به الشرع بخصوص هذه الآيات الكونية ، ولكنه جاء بما لا
دليل عليه لم يقبل قوله ، وهذا الكلام الذي يقولونه في كيفية خلق القمر قول لا دليل
عليه فليس بمقبول ، وقد اتفق العقلاء على أن حدّ العلم الصحيح عند البرهان الصحيح .
فلا تلتفتي لما يقولون ، فربما رأيتهم بعد ذلك يتركون هذا القول إلى قول آخر جديد .
ولعل هذا الذي يقولونه يخالف قول الله تعالى : ( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ
بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ
رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا
وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ
ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) فصلت/ 9 ، 12 .
كما أنه قد يخالف ظاهر القرآن الذي أثبت خلق الشمس والقمر بما ظاهره أن كلا منهما
خلق على انفراد ، لا أن أحدهما تكون من الآخر ، أما هذه النظرية فتفترض أن هذا
الاصطدام أدى إلى تطاير مادة من الأرض هي عبارة عن صخور مصهورة تكدست فيما بعد
لتشكيل القمر .
ولو كان القمر تكون من الأرض لأثبته القرآن كما أثبت خلق حواء من آدم عليهما السلام
في قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ) النساء/ 1 .
فيقتضي ذلك رد هذا القول وإبطاله .
ولو افترضنا صحة هذا الذي يقولونه ، فغاية ما هنالك أن تكون هذه كيفية خلق الله
للقمر ، فهو الذي يقدر اصطدام الكوكب بالأرض ، لا أن الاصطدام يحدث من نفسه كما يظن
منكرو الخالق ، فلما خلق الله القمر - على أي كيفية كانت – جعله الله في السماء كما
نراه آية من آياته ليضيء لأهل الأرض ، وليعلموا به عدد السنين والحساب ؛ كما قال
تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ
مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ
إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) يونس/ 5 .
راجعي للفائدة جواب السؤال رقم : (1084) .
والخلاصة أن ما يأتي به هؤلاء إما أن يكون موافقا للحق الذي عندنا فهذا نقبله .
وإما أن يكون مخالفا فهذا نرده .
وإما أن يكون غير موافق ولا مخالف فهذا ينظر فيه ، فإن كان لهم على ما يقولون برهان
صحيح ثابت فإنه يقبل قولهم ، وإن كان من جنس الافتراضات والتوهمات فهذا لا نقبله .
ولا شك أن كل ما ثبت في العلم الحديث في هذه الآيات الكونية بالبرهان الصحيح لا
يرده الإسلام ولا يخالفه ، وإنما يوافقه ، وقد تبين ذلك للناس في غير ما آية .
راجعي للفائدة جواب السؤال رقم : (138144) .
والله تعالى أعلم .