حكم الأذان للحاضرين والغائبين وحكم رفع الصوت مع الإضرار
أنا طالب في كلية بمدينة نيويورك ، وفي الكلية هناك جمعية للطلبة المسلمين ، ونحن لنا حجرتان للأخوة والأخوات ، فنحن نصلي كل الصلوات في أوقاتها في هاتين الحجرتين ، وعلى النادر يؤذِّن الأخوة للصلاة ولذا فنحن نريد أن يكون هناك شاب خاص للأذان ، وسؤالي هو : هناك أخ يؤدي الأذان بصوت عال جدّاً حتى أن الناس في الطابق الأعلى يسمعون ، الأخ يؤذن بصوت عالي حتى أن بعض الأخوة يتركون الحجرة وبعضهم يضع يده في أذنه بسبب الصوت العالي للمؤذن فهذا ليس أذاناً بل إنه في بعض الأحيان وكأن شخص يتأوه من رئتيه .
كثير من الأخوة نصحوه ولا ينصت لنصيحتهم ولا يزال يرد بنفس الرد أنه يرغب في أن يأتي يوم القيامة بعنق طويل ويرغب في أن يشهد له عدد كبير من الناس ( ربما يقبل الله دعاءهم ) .
كان نقاشنا وجدالنا بسبب أن حجرة جمعية الشبان المسلمين في وسط المبنى ومن اللطيف أن يكون الصوت منخفضاً وأبطأ ، ويكون بصوت جميل ،وليس عويلاً الذي ربما يخيف الناس ، ولقد قلت له : لو أن هناك شخصاً غير مسلم مرَّ بجانب الحجرة وسمع شخصاً ما يصرخ بصوت عالي فلن يهتم بشأن الإسلام ، وسيحكم علينا وعلى تعاليمنا بأننا لا نحترم الآخرين ، لكن لو أن نفس الشخص غير المسلم مر بجانب الحجرة وسمع شخصاً ما يؤدي الأذان بصوت جميل وبهدوء ، كما هو المفترض أن يكون الأذان فربما ينجذب ذاك الشخص غير المسلم ويدخل الإسلام ، أو على الأقل يأخذ فكرة مختلفة عن الإسلام .
وكان رأيه على الجانب الآخر أن الجمعيات الأخرى من اليهود أو النصارى يعزفون الموسيقى بصوت عال طوال الوقت ، أو لو أنهم كان سيصلون فإنهم يدقون الأجراس بصوت عال ، لم أسمع بهذا من قبل ولكن الله أعلم ، ويقول أيضاً : إذا لم يحترمونا فلماذا نحترمهم ؟ ويقول أيضاً أن هناك حديث فيما معناه أن الرجل إذا أذن أن يعلو صوته ، ولكني أقول له نحن في وسط المبنى في الكلية وليس مسجداً ، ولا أعرف هل ينطبق هذا الحديث هنا أم لا .
من فضلكم أرجو إعطائي فتوى فيما هو الصواب والخطأ في الأمر ، وما هي السنة في أداء الأذان ؟ وما هي تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وكذلك ما ورد في القرآن بشأن المسألة ؟
الجواب
الحمد لله.
القائم بشعيرة الأذان إما أن يؤذن لجماعة غير حاضرين معه ، أو يؤذن لنفسه أو لجماعة
حاضرين معه .
فإن كان أذانه لجماعة غير حاضرين معه : فقد اشترط بعض العلماء رفع الصوت بالأذان
وأنه لا يصح بدونه ، وهو مذهب الحنابلة والصحيح عند الشافعية وهو قول لبعض الحنفية
، ومما استدل به هؤلاء الأئمة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لعبد
الرحمن بن أبي صعصعة : " فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ
بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ " قال أبو سعيد : سمعته من رسول
الله صلى الله عليه وسلم " . رواه البخاري ( 584 ) .
وقالوا : إذا كان هذا الرفع للصوت في حق المنفرد في البادية ففي حق الجماعة من باب
أولى .
وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط رفع الصوت بالأذان ، وأنَّه سنَّة فحسب ، وهذا مذهب
الحنفية والمالكية والوجه الثاني عند الشافعية ، واستدل هؤلاء الأئمة بقوله صلى
الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد رضي الله عنه : ( إِنهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ
بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ ) رواه الترمذي ( 189 ) وأبو داود ( 499 )
وابن ماجه ( 706 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قالوا : والأمر في هذا وفي حديث أبي سعيد على الاستحباب .
والصواب من القولين : الأول ؛ لأن المقصود من الأذان في الأصل إعلام الناس بدخول
الوقت ، ولا يحصل هذا إلا مع رفع الصوت به .
وإذا قلنا برفع الصوت فإنه لا يراد به ذاك الصوت الذي يشق السمع ويتسبب في الضرر
على نفسه أو على السامعين – كما نقلتَه في أذان ذاك الشاب – بل إنه يُمنع المؤذن من
المبالغة في الرفع المؤذي .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - : " ومتى رفع صوته رفعاً يَخشى على نفسه الضرر
منه كره ، وقد قال عمر لأبي محذورة لما سمعه يؤذن بمكة " أما خشيتَ أن ينشق مريطاؤك
؟ " .
ذكره أبو عبيد وغيره ، وهي ما بين السرة والعانة ، قاله أبو عبيد والأكثرون ، وقيل
: ما بين الصدر والعانة " انتهى من " فتح الباري " ( 3 / 438 ) – مختصراً - .
وأما إن كان المؤذن يؤذن لنفسه أو لجماعة حاضرين معه – في غرفة أو مكتب أو مصلَّى
خاص - فلا يشترط له رفع الصوت إلا بقدر ما يسمع نفسه أو يسمع الحاضرين معه ؛ لأن
المقصود من الأذان وهو الإعلام يحصل بذلك ، وهل يستحب له رفع الصوت بالأذان أو لا
يستحب ؟! قولان للعلماء والأظهر عدم استحبابه - وهو وجه عند الشافعية – وحمل هؤلاء
الأحاديث الواردة في رفع الصوت أنها للأذان لجماعة غير حاضرين معه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " فالواجب أن يُسْمِعَ من
يُؤَذِّنُ لهم فقط ، وما زاد على ذلك فغير واجب " انتهى من " الشرح الممتع على زاد
المستقنع " ( 2 / 50 ) .
والخلاصة :
أننا ننصح الأخ المؤذن أن يأخذ برأي ناصحيه الذين يريدون الخير لدينه وله ، وأنه
إذا كان يؤذِّن لمن خارج الغرفة فلا ينبغي له المبالغة برفع الصوت بالأذان حتى يصل
لدرجة الإيذاء سواء لنفسه أو لغيره ، وأنه إن كان يؤذن لمن في غرفة الصلاة فيكفيه
أن يُسمعهم دون من كان خارج الغرفة ، ونسأل الله أن يكتب له أجره كاملاً وأن يجزيه
خير الجزاء على قيامه بهذه الشعيرة ، ومراعاة الآخرين ، والاجتهاد في دعوتهم
وترغيبهم في الإسلام أمر مطلوب ، سواء احترموا الداعية أم لم يحترموه ، ولا يخفى ما
في دعوة الآخرين وهدايتهم من الأجر العظيم .
والله أعلم