هل يجوز أكلُ لحم قُلي بزيت قُلي به من قبلُ لحمُ خنزير ؟
أنا طالب في ألمانيا وكثيرا ما نذهب لمطعم الجامعة ؛ لنأكل توفيرا للوقت والمال ، ولكن تبين لنا أن مطعم الجامعه وغيره من المطاعم الكبيرة لكل طلاب الجامعة ، يستخدمون الزيت للقلي لأكثر من وجبه ، فيقلون مثلا اليوم لحم الخنزير ويستخدمون نفس هذا الزيت أو الدهن لقلي أشياء أخرى حلال مثل الدجاج أو البطاطس ، وقد سأل طالب لدينا أحد مسؤولي هذا المطعم وأجابه أنه لتوفير المال فإنهم قد يستخدمون الزيت مرارا ولا يغيرونه إلا بعد قلي اكثر من وجبه ، فهل يجوز لنا أن نأكل من مثل هذه الوجبات المقليه بهذا الزيت ؟!
الجواب
الحمد لله.
أولا :
اتَّفَقَ الفقهاء عَلَى نَجَاسَةِ لحم الْخِنْزِيرِ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
: ( قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ
فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) الأنعام/ 145 .
"الموسوعة الفقهية" ؛(19/13) ، (20 /33) .
ثانيا :
إذا ثبتت نجاسة لحم الخنزير ، فإنه ينجس الزيت الذي يقلى فيه ، وينجس الطعام المقلي
بهذا الزيت، لأن المائع اذا اتصل بالنجاسة تنجس، وتنجس ما وضع فيه بعد.
وقد روى البخاري (2991) ومسلم (1940) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَصَبْنَا حُمُرًا خَارِجًا
مِنْ الْقَرْيَةِ فَطَبَخْنَا مِنْهَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ
عَنْهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ
بِمَا فِيهَا وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِمَا فِيهَا " .
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور بما فيها من ماء طبخ فيه ذلك اللحم
المحرم .
وهذا في لحوم الحمر الأهلية وهي أخف في التحريم من لحم الخنزير ، وإذا كانت قد
أكفئت القدور بما فيها من لحم محرم وماء فلأن يسكب الزيت الذي يقلى به لحم الخنزير
أولى .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
" آكل بعض الأحيان بمطعم الطلبة ، وطبعا أتجنب المحرمات ، ولكن أحيانا أطلب بطاطا
مقلية ، أو بيضا مقليا ، رأيت ذات مرة القائمة على هذا العمل تقلي في نفس الزيت
بيضا مع لحم لا أدري كنهه ، ولكني شبه متيقن بأنه لحم خنزير ، فهل يحرم أكل البيض
والبطاطا ؟
فأجابوا : " إذا تيقنت أن طعاما قلي في سمن أو زيت قد قلي فيه من قبل لحم خنزير فلا
تأكل منه ، وإلا جاز لك الأكل منه " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 /283) .
وسئل علماء اللجنة أيضا :
" بعض المطاعم تشوي لحم البقر على نفس الصفيحة التي تشوي عليها لحم الخنزير ، فهل
يجوز أكل ذلك اللحم ؟ وكذلك تستخدم نفس السكين في القطع .
فأجابوا : " لا يجوز أكل لحم البقر المشوي على الصفيحة التي يشوى عليها لحم الخنزير
، والسكين كذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 /285) .
ثالثا :
لا يجوز استعمال هذه الأواني التي يطبخ فيها المحرم إلا بعد غسلها .
فروى البخاري (5478) ومسلم (1930) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ :
قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ ؟ قَالَ : إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا
تَأْكُلُوا فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا ) .
وهذا محمول على من يستعمل الآنية منهم في النجاسات ؛ كما في رواية أبي داود لهذا
الحديث (3839) ( إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي
قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا
فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا
بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ) .
قال الخطابي رحمه الله : " والأصل في هذا أنه إذا كان معلوماً من حال المشركين أنهم
يطبخون في قدورهم لحم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمور فإنه لا يجوز استعمالها
إلاّ بعد الغسل والتنظيف " انتهى من "معالم السنن" (4/ 257) .
وهذا يعني أن استعمال هذه الأواني التي يطبخ فيها المحرم من لحم الخنزير وغيره يجوز
استعمالها عند الحاجة إلى ذلك بشرط غسلها .
فعلى ما تقدم :
لا يجوز أكل طعام قلي بزيت قلي به لحم خنزير من قبل ، ولا استخدام هذه الآنية التي
قلي بها الخنزير إلا بعد غسلها .
وإذا تيقنتم من تغيير الزيت وغسل الإناء جاز الأكل من المباحات التي تقلى بهذا
الزيت الطاهر.
والله أعلم .