الحمد لله.
الحديث الثاني : في شرب "
بَرَكة أم يوسف " لبول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الحديث من طريق ابن
جُرَيْجٍ قال حَدَّثَتْنِي حُكَيْمَةُ بنتُ أُمَيْمَةَ بنتِ رُقَيْقَةَ عن أُمِّهَا
أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يَبُولُ في قَدَحِ عِيدَانٍ ثُمَّ
يَرْفَعُ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَبَالَ فيه ثُمَّ جاء فَأَرَادَهُ فإذا الْقَدَحُ ليس
فيه شَيْءٌ فقال لامْرَأَةٍ يُقَالُ لها " بَرَكَةُ " كانت تَخْدُمُ أُمَّ
حَبِيبَةَ جَاءَتْ بها من أَرْضِ الْحَبَشَةِ ( أَيْنَ الْبَوْلُ الذي كان في
الْقَدَحِ ؟ ) قالت : شَرِبَتُهُ ، فقال ( لَقَدِ احْتَظَرْتِ مِنَ النَّارِ
بِحِظَارٍ ) .
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 7 / 67 ) والطبراني في " الكبير " ( 24 / 189 )
.
وهو حديث ضعيف ؛ لجهالة حُكيمة بنت أميمة .
قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " ( 1 / 587 ) : " غير معروفة " انتهى .
وقال ابن حجر في " تقريب التهذيب " ( ص 745 ) : " حُكَيمة بنت أميمة لا تعرف "
انتهى .
ومع علة الجهالة فإن متن الحديث مضطرب اضطراباً كبيراً .
ثانياً:
أما حكم " بول النبي صلى الله عليه وسلم " : فالأصل فيه أنه كباقي بول البشر ، وليس
ثمة استثناء في كونه طاهراً ، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستنجي بعد
انتهائه من بوله وقضاء حاجته ، ولم يصحَّ أن أحداً شرب بولَه صلى الله عليه وسلم ،
والأحاديث السابقة في هذا الباب ضعيفة كلها ، ولو صحَّ شيء منها ، لم يكن فيه حجة ،
لأن شرب البول قد وقع فيها مصادفة ، من غير تعمد لشربه .
والأصل في خَلْق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كباقي البشر ؛ لقوله تعالى : ( قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) الكهف/ 110 ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ
فَذَكِّرُونِي ) رواه البخاري ( 392 ) ومسلم ( 572 ) " ولقوله : ( إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ،
فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا
بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا
مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم ( 2603 ) .
إلا أن يَنصَّ هو على خلاف ذلك فيما أكرمه الله تعالى به وخصَّه به من دون الناس ،
كقوله فيما رواه البخاري ( 1096 ) ومسلم ( 738 ) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ
تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي ) ، وكما جاء عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ( أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي ) رواه
البخاري ( 686 ) ومسلم ( 425 ) .
والله أعلم