إذا ظهر المفقود رجع إليه ماله وزوجته

07-04-2013

السؤال 183321


إذا حكم القاضي بموت المفقود بعد غياب طويل ، ومن بعد ذلك قام الورثة بتقسيم الإرث ، وزوجته قد تزوجت ، فماذا يمكن للمفقود الفعل بعد عودته ؟

الجواب

الحمد لله.

إذا ظهر المفقود حيا بعد أن حكم القاضي الشرعي باعتباره ميتا ، وكانت زوجته قد تزوجت ودخل بها زوجها الثاني ، فللفقهاء في هذه المسألة أقوال مختلفة :

القول الأول :

هي زوجة للأول الذي كان مفقودا ثم ظهر ، وينفسخ نكاحها من الثاني ، وترجع إلى الأول بعد أن تعتد ، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة مع فروق يسيرة في التفاصيل .

أما الحنفية فقد قال أبو حنيفة رحمه الله : " في المفقود لا تتزوج امرأته حتى يأتيها الخبر بطلاق أو وفاة ، فتعتد ، ثم تتزوج ، فإن تزوجت امرأة المفقود ثم قدم فرق بينهما وبين زوجها الآخر ، فإن كان قد دخل بها كان لها الصداق بما استحل من فرجها " .

انتهى من " الحجة على أهل المدينة " (4/49-52) .

ويقول الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله : " إذا نعي إلى المرأة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت ، ثم جاء زوجها الأول ، فهي امرأته ؛ لأنها كانت منكوحته ، ولم يعترض على النكاح شيء من أسباب الفرقة ، فبقيت على النكاح السابق ، ولكن لا يقربها حتى تنقضي عدتها من الثاني " انتهى من " بدائع الصنائع " (3/215)، وقد وقع " للموسوعة الفقهية الكويتية " (38/279) خطأ في نقل مذهب الحنفية في هذه المسألة .

أما الشافعية فيقول الخطيب الشربيني رحمه الله : " إذا بان حيا بعد أن نكحت فالزوج باق على زوجيته ، لكن لا يطؤها حتى تعتد من الثاني " انتهى من " مغني المحتاج " (5/99) .

ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله : " إن كان عود الأول بعد دخول الثاني بها ، خُيِّر الأول :

بين أخذها منه ، فتكون امرأته بالعقد الأول ، ولو لم يطلق الثاني ، نصا ؛ لأن نكاحه كان باطلا في الباطن ، ويطأ الأول بعد عدة الثاني .

وبين تركها مع الثاني ؛ لقول عمر وعثمان وعلي ، وقضى به ابن الزبير ، ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع .

وإذا لم يخترها الأول : كانت مع الثاني ، من غير تجديد عقد في الأشهر ؛ لأن الصحابة لم ينقل عنهم تجديد عقد ، واختار الموفق التجديد ، وهو القياس "

انتهى من " كشاف القناع " (5/422) .

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الصواب في هذه المسألة : أن الزوج الأول بالخيار مطلقاً ، سواء قبل وطء الثاني أو بعده ، فإن أبقاها للثاني فهي له ، ويأخذ منه صداقه ، ولا يرجع الثاني عليها بشيء ، وإن أخذها فهي له " انتهى من " الشرح الممتع " (13/379) .

القول الثاني :

تبقى الزوجة للزوج الثاني ، ولا سبيل للأول عليها ، وهو مذهب مالك بن أنس رحمه الله حيث يقول : " إن تزوجت بعد انقضاء عدتها ، فدخل بها زوجها ، أو لم يدخل بها ، فلا سبيل لزوجها الأول إليها ، قال مالك : وذلك الأمر عندنا ، وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها " انتهى من " الموطأ " (2/575) .

ولكن المالكية اختاروا تقييد الأمر بالدخول ، فيقول الحطاب المالكي رحمه الله : " فإن جاء المفقود ، أو تبين أنه حي ، أو أنه مات بعد دخول الثاني بها : فإنها فاتت بدخوله بها " .

انتهى من " مواهب الجليل " (4/157) ، وانظر " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " (2/480) .

واستدل الجمهور على قولهم بأدلة عدة :

الدليل الأول : ما روي من طرق عدة من قضاء عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا ، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة ، وقد ورد ذلك عنهم بأسانيد عدة ، صححها كثير من العلماء ، من أراد التوسع فيها فليرجع إلى كتاب " أقضية الخلفاء الراشدين " (1/267-276).

وأنكر مالك رحمه الله الأثر عن عمر بن الخطاب ، فقال : " أدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب أنه قال : يخير زوجها الأول إذا جاء ، في صداقها أو في امرأته ... وبلغني أن عمر بن الخطاب قال : في المرأة يطلقها زوجها وهو غائب عنها ، ثم يراجعها ، فلا يبلغها رجعته ، وقد بلغها طلاقه إياها ، فتزوجت أنه إن دخل بها زوجها الآخر أو لم يدخل بها ، فلا سبيل لزوجها الأول الذي كان طلقها إليها ، قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا وفي المفقود " انتهى من " الموطأ " (2/575) .

ولكن أجاب ابن عبد البر رحمه الله عن إنكار الإمام مالك أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : " هو عن عمر منقول بنقل العدول من رواية أهل الحجاز وأهل العراق " .

انتهى من " الاستذكار " (6/131) وتوسع في نقل الأسانيد والآثار .

الدليل الثاني : القياس ، فظهور المفقود دل على أن فسخ نكاح زوجته وقع خطأ ، وأنها باقية على ذمة زوجها الأول .

لذلك قال محمد بن الحسن رحمه الله – في مناقشة مذهب أهل المدينة في المسألة -:

" كيف امرأة الأول إذا تزوجت صارت امرأة الآخر ، أرأيتم في الحال الذي تزوجت فيها أكانت امرأة أول ، فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فقد تزوجت ولها زوج ، وكيف حلت لغير زوجها وحرمت على زوجها بتزوجها غيره ، هذا مما لا ينبغي لكم ولا لغيركم أن يُشْكِل خطؤه عليه ... وهذا أحب القولين إلينا ، وأشبههما بالكتاب والسنة " .

انتهى باختصار من " الحجة على أهل المدينة " (4/52-58) .

ثانيا :

أما أمواله فقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب إرجاع أعيان أمواله التي تقاسمها الورثة ، واختلفوا فيما تلف منها ، وذهب ، وتم إنفاقه : هل يضمنه من أنفقه أم لا يضمنه ؟

 على قولين : الجمهور قالوا بالضمان ، وخالف الحنفية فقالوا بعدم الضمان . ينظر " الموسوعة الفقهية " (38/280)

يقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :

" إن قدم المفقود بعد قسم المال : أخذ ما وجده من المال بعينه بيد الوارث ، أو غيره ؛ لأنه قد تبين عدم انتقال ملكه عنه ، ورجع على من أخذ الباقي ، بعد الموجود ، بِمِثْل مِثْلِيٍّ ، وقِيمةِ مُتَقَوِّم ؛ لتَعذُّر رده بعينه " انتهى من " كشاف القناع " (4/466) .

وحاصل ما سبق كله أن المفقود إذا ظهر فإنه يسترجع زوجته وماله ، في قول جماهير العلماء .

والله أعلم .

عقد النكاح الإرث وتوزيع التركة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب